03:47 م
الإثنين 21 أبريل 2025
كتبت- سلمى سمير:
في زيارة رسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دولة الكويت خلال الأسبوع الماضي، بدا أن ملف الطاقة لم يكن غائبًا عن الأجندة. فقد أصدرت القاهرة والكويت بيانًا مشتركًا أعادا فيه التأكيد على موقفهما الموحد إزاء قضية حقل الدرة البحري، وهو الحقل الذي أصبح منذ عقود عنوانًا للنزاع الصامت بين ثلاث دول: الكويت والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وفي بيان الزيارة، أكدت مصر والكويت أن حقل الدرة يقع بأكمله في المناطق البحرية لدولة الكويت وأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة التي يقع فيها حقل الدرة هي ملكية دولة الكويت والمملكة العربية السعودية فقط استنادا للاتفاقيات المبرمة بينهما ورفض أي ادعاءات بوجود حقوق لأي طرف آخر في تلك المنطقة.
جذور النزاع
ترجع جذور الخلاف حول حقل الدرة إلى ستينيات القرن الماضي، عندما تم اكتشاف الحقل في منطقة بحرية متنازع عليها في الخليج العربي. وبينما ترى السعودية والكويت أن الحقل يقع في المنطقة المغمورة المشتركة بينهما، تطالب إيران بجزء منه، وتطلق عليه اسم “آراش” وليس الدرة كما المتعارف عليه.
في عام 2019، وقعت الكويت والسعودية مذكرة تفاهم لتسريع تطوير واستغلال الحقل، مؤكدتين أن الحقل يقع بالكامل ضمن الحدود المشتركة بينهما. غير أن هذا الاتفاق أثار حفيظة طهران، التي اعتبرت الخطوة “غير قانونية” وتمسّ حقوقها في الحقل.
عاد الخلاف للسطح مجددًا في مارس 2022، عندما أعلنت الرياض والكويت عزمهما بدء الإنتاج من الحقل، مجددتين دعوتهما لطهران لترسيم الحدود البحرية الشرقية، حيث جاء ذلك عقب اجتماع وزيري الطاقة في البلدين، اللذين أكدا عزمهما تنفيذ اتفاق التطوير المبرم بينهما.
وردًا على ذلك، قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن “حقل آراش حقل مشترك، وأي خطوة أحادية تعد انتهاكًا للحقوق الإيرانية”. وأعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي نية بلاده بدء أعمال التنقيب قريبًا في الجانب الذي تراه طهران تابعًا لها، مع احتفاظها بحق الرد على “الإجراءات الأحادية”.
السيسي في الكويت
زيارة السيسي للكويت حملت أبعادًا تتجاوز البعد الثنائي، إذ يأتي البيان المشترك حول حقل الدرة في سياق إقليمي أكثر تعقيدًا. فالقاهرة التي تجمعها علاقات قوية بطرفي النزاع، الكويت والسعودية، تعلن عبر هذا البيان دعمها لموقفهما الرافض لأي تحرك إيراني خارج الأطر القانونية والدبلوماسية، خاصة في ظل تصاعد التوترات حول قضايا ترسيم الحدود البحرية في المنطقة.
في مارس 2023، تجدد الموقف الرسمي للكويت والسعودية عندما أصدر البلدان بيانًا مشتركًا، أكدا فيه أنهما “طرفا تفاوضيًا واحدًا” فيما يتعلق بحقل الدرة. ودعا البيان إيران بشكل رسمي إلى ترسيم الحدود البحرية الشرقية للمنطقة المتنازع عليها. وأكدت الرياض والكويت في البيان أن إيران لم تستجب لدعوات سابقة للتفاوض بشأن هذه الحدود، مما يُعرقل تقدم المفاوضات حول المنطقة.
أهمية حقل الدرة
يُقدر الاحتياطي في حقل الدرة بنحو 20 تريليون قدم مكعب من الاحتياطات المؤكدة، ويصل إجمالي القابل للاستخراج من الغاز منها بنحو 200 مليار متر مكعب، إضافة إلى كميات من الغاز المسال والمكثفات. ووفقًا لتصريحات حديثة من مؤسسة البترول الكويتية، فإن الدراسات الهندسية للمشروع قد اكتملت بالفعل، وتنتظر التنفيذ الفعلي خلال العامين القادمين، مما قد يجعل الحقل جاهز للتشغيل 2029 بحسب ما صرحت به الكويت على لسان شيماء الغنيم نائبة المدير العام لشركة النفط الكويتية.
تشير تقديرات رسمية إلى أن الحقل يمكن أن يوفر للكويت والسعودية كميات ضخمة من الغاز، تسد احتياجات الكهرباء والصناعة وتحسن الميزان التجاري، خاصة في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الفحم والنفط.
أحد أكبر التعقيدات في ملف حقل الدرة هو عدم ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وإيران. فبينما تم ترسيم الحدود البحرية بين الكويت والسعودية في “المنطقة المحايدة” منذ عقود، لم تنجح المفاوضات مع إيران في الوصول إلى اتفاق مشابه كما لم يتم ترسيم المنطقة بواسطة المحكمة الدولية حتى اللحظة.
وترى طهران أن جزءًا من الحقل يقع في “مياه غير محددة السيادة”، وتطالب ببدء مفاوضات ثلاثية، بينما تصر الرياض والكويت على أن الحقل يقع ضمن حدودهما المشتركة، وأن مفاوضات الترسيم يجب أن تكون ثنائية بين الكويت والسعودية كجانب واحد وإيران من الجانب الآخر فقط.
في مارس 2022، صرّح وزير الخارجية الكويتي السابق أحمد ناصر الصباح بأن “حقل الدرة هو حقل كويتي سعودي”، مشددًا على أن إيران “ليست طرفًا فيه”. في المقابل، يؤكد الإيرانيون أن “آراش” هو حقل ثلاثي، وأنهم مستعدون للتفاوض، ولكنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال تم تجاهل حقوقهم.
كانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية نشرت في مناسبات متعددة خرائط تشير إلى أن جزءًا من الحقل يقع داخل ما تصفه طهران بـ”المنطقة الاقتصادية الخاصة الإيرانية”.