شهدت وزارة الثقافة المصرية عامًا حافلًا بالمنجزات، حيث أبرمت حزمة واسعة من الاتفاقيات والمبادرات التي عززت البنية التحتية الثقافية. هدفت هذه الجهود إلى تبادل الخبرات، دعم المواهب، وإبراز الحضور المصري بقوة في المحافل الدولية، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع مجتمعية نوعية.
تعاونات دولية ومحلية لتعزيز الثقافة المصرية
وقعت وزارة الثقافة خلال العام الماضي العديد من البروتوكولات والاتفاقيات الهامة على المستويين الدولي والمحلي. دوليًا، تم توقيع بروتوكول مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإتاحة المحتوى الرقمي لدار الكتب والوثائق على بوابة “تراث مصر الرقمي”، ما يمثل خطوة كبيرة نحو رقمنة التراث الثقافي. كما تعاونت الوزارة مع وكالة التعاون اليابانية “جايكا” بهدف تطوير دار الأوبرا المصرية، بما يضمن استمرارها كمنارة فنية رائدة. بالإضافة إلى ذلك، وُقع برنامج ثقافي مشترك مع وزارة الثقافة والإعلام بجمهورية كرواتيا يمتد حتى عام 2028، يركز على تبادل الخبرات في مجالات الفنون والمكتبات والمهرجانات.
توسعت الشراكات الدولية لتشمل توقيع خطاب نوايا بين مصر وقطر لإطلاق عام ثقافي مشترك في عام 2027، مما يؤكد على عمق الروابط الثقافية بين البلدين. عززت الوزارة أيضًا تعاونها مع دول استراتيجية مثل فرنسا، الهند، السنغال، مالي، تركيا، والإمارات، من خلال تبادل الوفود والمشاركات الفنية. شاركت مصر بفاعلية في مؤتمرات وفعاليات دولية كبرى، مثل قمة WAVES للإعلام العالمي في الهند، وبينالي فينيسيا، واجتماعات وزراء الثقافة في العالم الإسلامي والوطن العربي، مما رسخ مكانتها الثقافية عالميًا.
داخليًا، أبرمت الوزارة بروتوكولات تعاون متعددة الأوجه لتعزيز القيم الوطنية وخدمة المجتمع. وقعت الوزارة اتفاقًا مع الهيئة الوطنية للانتخابات لرفع وعي المواطنين بحقوقهم السياسية عبر تنظيم ندوات ثقافية متخصصة. كما تضافرت جهودها مع وزارات الشباب والرياضة، الأوقاف، التربية والتعليم، والخارجية، في إطار رؤية موحدة لبناء الإنسان وتعميق الهوية المصرية. تم توقيع اتفاق مع البنك الأهلي المصري لاستغلال مبنى تراثي عريق بالإسكندرية، وتحويله إلى مركز متكامل للعروض الفنية والمتاحف، مما يسهم في تنشيط الحركة الثقافية بالإسكندرية.
مبادرات ثقافية مجتمعية وحقوق إنسانية
أطلقت وزارة الثقافة خلال العام العديد من المبادرات المجتمعية المبتكرة التي استهدفت الفئات الأولى بالرعاية، مما يؤكد على دور الثقافة في التنمية الشاملة. نُفذت مبادرة “أنت الحياة” بنجاح من خلال 256 فعالية متنوعة، فيما شملت مبادرة “أنا الحياة” مؤسسات مبادرة حياة كريمة، لتقديم الدعم الثقافي للمجتمعات الأكثر احتياجًا. كما امتدت المبادرات لتشمل مشروع “البديل الآمن للعشوائيات” في 20 منطقة، بهدف دمج السكان ثقافيًا واجتماعيًا.
كان للمسارح المتنقلة دور بارز في نشر الفن والثقافة، حيث جابت 14 محافظة وقدمت 346 فعالية، مما أتاح وصول الفعاليات الثقافية إلى أبعد المناطق. أطلقت الوزارة كذلك مبادرة “للاحتفاء بالخال” بالتعاون مع وزارة النقل، التي عرضت السيرة الهلالية عبر وسائل المواصلات العامة، مما قدم التراث المصري الأصيل لجمهور واسع بطريقة مبتكرة. تضمنت خطة الوزارة مبادرات نوعية تحمل طابعًا وطنيًا عميقًا، مثل مبادرة “عِزّة الهوية” التي هدفت إلى تعزيز القيم الوطنية والاعتزاز بالثقافة المصرية بين الشباب والنشء، ومبادرة “النيل” التي ربطت بين الثقافة والبيئة من خلال فعاليات توعوية على ضفاف النهر الخالد.
عملت الوزارة على تحقيق الشمول الثقافي من خلال مبادرة “أهلاً وسهلاً بالطلبة” التي أتاحت للطلاب والطالبات الاستمتاع بالفعاليات بأسعار مخفضة، وتنظيم زيارات للمسارح ومراكز الإبداع. كما نُفذت مبادرة “مصر تتحدث عن نفسها” في مختلف المحافظات، لتقديم الفنون المصرية في أبهى صورها وربط الجمهور بهويته الثقافية العريقة. في مجال حقوق الإنسان الثقافية، نفذت الوزارة برامج وورش عمل وندوات لدعم المساواة في الوصول إلى الخدمات الثقافية، وتعزيز التعددية واحترام التنوع. نظمت الوزارة زيارات ثقافية للأطفال والشباب من مختلف المحافظات والفئات، ووسعت نطاق الأنشطة الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى مبادرات لتمكين المرأة والأطفال والمبدعين في المحافظات الحدودية.
رؤية مستقبلية نحو التحديث والانتشار العالمي
ركزت وزارة الثقافة على تطوير هويتها البصرية ورسالتها الاتصالية لتعزيز الحضور المصري في المشهد الثقافي العالمي. صممت أجنحة مبتكرة في المحافل الدولية، أبرزها الجناح المصري في بينالي فينيسيا، الذي عكس تلاقي العمارة مع الوعي البيئي بشكل لافت. تطور الشكل البصري للمنصات والمطبوعات الرسمية، مما عكس احترافية أكبر في التواصل. كما رفعت الوزارة كفاءة الاتصال المؤسسي ووثقت كافة الفعاليات والمبادرات ضمن مشروع وطني متكامل، لضمان توثيق شامل للجهود المبذولة.
تستشرف الوزارة مستقبلًا حافلًا بخطط طموحة تهدف إلى توسيع القاعدة الثقافية وتحديث البنية التحتية. تشمل الخطط افتتاح قصور ومكتبات ثقافية جديدة في محافظات استراتيجية مثل شمال سيناء وسوهاج والفيوم، مما يضمن وصول الخدمات الثقافية إلى مناطق أوسع. تسعى الوزارة لتوسيع نطاق برنامج “ابدأ حلمك” لدعم المواهب الشابة، وإطلاق مشاريع نوعية لتدريب الكوادر الشبابية على الترميم والحفظ الرقمي للتراث، مما يحافظ على الإرث الثقافي للأجيال القادمة.
تتضمن الرؤية المستقبلية تعزيز البنية التحتية الثقافية من خلال تطوير المواقع القائمة وإدخال خدمات ذكية للعرض والإتاحة، مما يواكب التطور التكنولوجي. تستكمل الوزارة رقمنة ملايين الوثائق والمخطوطات النادرة بدار الكتب والوثائق القومية، للحفاظ عليها وتيسير الوصول إليها للباحثين والجمهور. كما تسعى الوزارة إلى دعم الصناعات الثقافية والإبداعية عبر شراكات ممتدة مع القطاع الخاص ومؤسسات التمويل، مما يحفز النمو الاقتصادي ويدعم المبدعين في شتى المجالات.