تحول مهرجان جلاستونبيري الموسيقي السنوي في بريطانيا إلى ساحة قوية لدعم القضية الفلسطينية، متحديًا ملايين الدولارات التي تُنفق لتلميع صورة الكيان الصهيوني. عبّر فنانون مشاركون عن تعاطفهم الصريح مع الشعب الفلسطيني، ما أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية والحكومة البريطانية، مؤكدًا أن حملات التضليل الدعائية باتت بلا جدوى في وجه الإرادة الشعبية.
مهرجان جلاستونبيري يتحدى الرواية الرسمية
أشعل مهرجان جلاستونبيري البريطاني الشهير، الذي أقيم بين 27 و29 يونيو الجاري، موجة عارمة من الغضب في إسرائيل وداخل الحكومة البريطانية. جاء ذلك بعد تصريحات جريئة من بعض الفنانين المشاركين، الذين أظهروا تعاطفهم الواضح مع الشعب الفلسطيني إزاء العدوان المستمر على قطاع غزة. أكدت هذه الأحداث بشكل قاطع أن الميزانيات الضخمة المخصصة لتلميع الصورة الملطخة بالدماء للكيان الصهيوني أصبحت عديمة الفائدة أمام هذا التعبير الشعبي.
فرقة Kneecap: صوت المقاومة رغم التضييق
بدأت الأحداث اللافتة مع فريق “Kneecap” الأيرلندي، الذي شارك في مهرجان جلاستونبيري العام الماضي، وهو أحد أكبر وأشهر مهرجانات الموسيقى في بريطانيا. أظهر الفريق دعمًا قويًا وغير محدود للفلسطينيين في قطاع غزة، وهو ما تجلى بوضوح عبر عبارات تضامنية مع المدنيين وعبارات تنتقد الحكومة البريطانية لدعمها للحكومة الإسرائيلية، ما شكل صدمة كبرى آنذاك في الأوساط الصهيونية. وقبل أسابيع من نسخة المهرجان لعام 2025، انطلقت حملات ضغط واسعة لمنع دعوة فريق Kneecap مجددًا. وصلت هذه الحملات إلى رئيس الوزراء البريطاني، الذي وجه نداءً لإدارة المهرجان لاستبعاد الفريق، إلا أن طلبه قوبل بالتجاهل وتمت دعوة الفريق بالفعل للمشاركة.
اضطرت الحكومة البريطانية لاستخدام ورقة ضغط أخرى، تمثلت في تجاهل التغطية الإعلامية لفقرة الفريق وحجبها من قبل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، المسؤولة عن تغطية المهرجان، وهو ما تم بالفعل وقرر حجب الفقرة من شاشات التلفزيون. إلا أن هذه الخطوة قلبت الطاولة على الحكومة البريطانية؛ فبمجرد حجب فقرة الفريق الأيرلندي، قررت إحدى السيدات ضمن الحضور نقل الفقرة مباشرة عبر حسابها على تطبيق تيك توك. تمت مشاهدة البث من قبل مليوني شخص خلال ساعات قليلة، ما شكل صدمة كبيرة للحكومة البريطانية التي حاولت بشتى الطرق منع الفريق والتضييق عليه.
تضامن فني واسع ونتائجه
جاءت الصدمة الأكبر من بث الحفل عبر تيك توك، حيث ظهرت كمية هائلة من الأعلام الفلسطينية داخل الحفل بشكل غير مسبوق. أعلن الفريق تضامنه مجددًا مع غزة وهاجم الكيان الصهيوني على جرائم الإبادة، بالإضافة إلى انتقاده الشديد لرئيس الوزراء البريطاني. تحول الحفل إلى ساحة تكتظ بالآلاف، متحدين على هدف واحد وهو إيصال صوتهم رغم التضييقات والمحاولات الحثيثة لإسكاتهم وتجاهلهم.
لم يقتصر التضامن في المهرجان البريطاني على فقرة Kneecap فقط، بل سبقها فقرة لثنائي فريق “Bob Vylan” البريطاني. تم بث هذه الفقرة عبر هيئة الإذاعة البريطانية وكانت صادمة بالنسبة لهم لعدم توقعهم كل تلك الأعلام الفلسطينية في الحفل والرسائل الداعمة للفلسطينيين. فوجئت إدارة BBC بالفريق البريطاني وهو يقود الحضور للهتاف لفلسطين وعبارة “من النهر إلى البحر”، وهتفوا بموت جيش إسرائيل، بالإضافة إلى مهاجمتهم لقناة BBC بسبب عدم نقل فقرة Kneecap.
على السياق نفسه، فاجأ المغني البريطاني “Jordan Stephens” الحضور خلال فقرته عندما اصطحب والدته على المسرح، وظهرت وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية وتحمل العلم الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، وجهت المطربة البريطانية “JADE” انتقادات حادة للحكومة البريطانية لتورطها في بيع أسلحة لدولة تمارس الإبادة ضد شعب أعزل محاصر في غزة. كل هذه الأحداث شكلت صدمة عارمة للكيان الصهيوني داخل بريطانيا، وانقلبت كل محاولاتهم في التضييق على الفرق الداعمة للفلسطينيين عليهم. شكل المهرجان البريطاني الأعرق والأضخم في بريطانيا شوكة كبيرة تعبر عن آراء الملايين الرافضين لسياسة دولتهم وتعاملها مع الكيان الإسرائيلي.
على إثر ذلك، خرجت السفارة الإسرائيلية في بريطانيا ببيان تتهم فيه كل تلك الفرق بمعاداة السامية والتحريض ضد اليهود، في محاولاتهم المعتادة لإظهار أفعالهم على أنهم أصحاب الجانب البريء وقلب الطاولة، وهو ما لم ينجح مع مئات الآلاف الذين شاركوا في جلاستونبيري. وصلت التداعيات إلى الشرطة البريطانية التي أعلنت عن فتح تحقيق، مستهدفين بشكل خاص Kneecap وBob Vylan. ليست هذه هي المرة الأولى للشرطة البريطانية في استهداف الفريق الأيرلندي، فقد سبق وتم اتهام أحد أعضاء الفريق “Mo Chara” بتهم إرهاب بسبب فيديو خلال حفلة من حفلات الفريق يهتف فيه هتافًا يدعم من خلاله الحركات في لبنان وغزة.