تحول غير مسبوق.. قصة جاسوس من دهاليز القاعدة إلى مخابرات بريطانيا

في قلب شبكة الارهاب المعقدة، برزت قصة رجل غيرت مسارها احداث مفصلية. ايمن دين، اسم ارتبط يوما بتنظيم القاعدة، تحول بقدرة قادر الى عميل مزدوج لصالح الاستخبارات البريطانية، كاشفا خبايا عالم الظلام من الداخل. هذا التحول الجذري يعد واحدا من اكثر قصص الاختراق الاستخباراتي عمقا وجراة في تاريخ مكافحة الارهاب.

مسار التحول.. من مقاتل الى عميل

رحلة ايمن دين المأساوية بدات في سن السابعة عشر، حين التقى خالد شيخ محمد، العقل المدبر لاحداث الحادي عشر من سبتمبر، في لقاء كشف عنه ايمن حصريا لصحيفة “ذا صن”. بعد عودته من البوسنة حيث شهد فظائع الحرب، انجذب ايمن الى فكرة محاربة ما وصفه بـ “امريكا الشريرة”. لكن هذه القناعات سرعان ما اهتزت عندما اكتشف نية التنظيم في قتل المدنيين دون اي رحمة، وهو ما غير مساره بالكامل ودفعه نحو البحث عن مخرج.

مصنع الموت.. تدريب على صناعة القنابل

بعد عام من الانسياق وراء الافكار المتطرفة، وجد ايمن نفسه في معسكر ناء بافغانستان. هناك، خضع لتدريب مكثف على صناعة المتفجرات استمر احد عشر شهرا، تحت اشراف ابو خباب المصري، مهندس الاسلحة الكيميائية للتنظيم. رغم المخاطر الجمة، وصف الشاب الشغوف بالمعرفة العملية الكيميائية هذه التجربة بانها “ممتعة”، ساخرا كيف ان الكيمياء لم تدرس بهذا الشكل في المدارس. داخل ذلك المعسكر البدائي، حيث القنابل كانت ترص على ارفف خشبية والفواكه تستخدم كـ “ترياق” للسموم، تعايش ايمن مع متطرفين بارزين منهم معاذ فزاني، احد قادة داعش لاحقا، وشارك في نقاشات حول “تدمير النظام العالمي”. وتلقى حينها تحذيرا مصيريا من معلمه: “خطؤك الاول سيكون الاخير”.

اقرأ أيضًا: هام.. تعرف على توقعات أسعار الفائدة من اجتماع البنك المركزي اليوم

نقطة التحول.. هجمات السفارات الافريقية

اقل من عام مضى، عندما اهتز ضمير ايمن دين اثر الهجمات الارهابية التي استهدفت سفارتي امريكا في نيروبي الكينية ودار السلام التنزانية عام 1998، مخلفة مئتي قتيل. وعندما بلغه مخططات لضرب دور السينما باسطوانات سيانيد الهيدروجين، واجه قائده خالد شيخ محمد معبرا عن رفضه الشديد، بقوله: “هذا اتجاه خاطئ”. لكن الرد كان باردا وصادما: “العالم ليس فيلم ديزني. هذه غابة… اقتل او تقتل. لا لغة يفهمها العالم سوى الارهاب”. حينها، تظاهر ايمن بالمرض ليهرب الى قطر، حيث اعلن فورا قطيعته مع التنظيم الارهابي.

في حضن الاستخبارات البريطانية

فور وصوله الى قطر، اوقفته اجهزة الامن هناك، لكنه تعاون معهم فوريا، وقدم لهم رقما لحساب بنكي تابع للتنظيم كان قد حفظه مسبقا. وبسبب كمية المعلومات القيمة التي قدمها، عرضت عليه السلطات القطرية تسليمه الى امريكا او فرنسا او بريطانيا. اختار ايمن الاخيرة، معللا ذلك بـ “عدم ثقته بالامريكيين وعدم انتمائه للثقافة الفرنسية”. وفي غضون تسعة ايام فقط، وجد ايمن نفسه في احضان جهاز الامن البريطاني “ام اي فايف”، حيث ابهرهم بذاكرته الفوتوغرافية الفريدة ومهارته في قراءة الخرائط. عند وصوله الى لندن، قدم له مشروب الكوكاكولا لاول مرة، ليصبح منذ ذلك الحين مشروبه المفضل، بالاضافة الى كتاب من سلسلة هاري بوتر. قضى الشهور الستة التالية في تدريب مكثف، وتعلم اللغة الانجليزية بطلاقة، قبل ان يرسل للعيش مع احد عناصر القاعدة في لندن.

سنوات من التجسس المزدوج

مستفيدا من ثقافته الدينية العميقة وذكائه الحاد، تمكن ايمن من التقرب من رفاقه في التنظيم وكسب ثقتهم. لقد قال حينها: “كنت اكثر الماما بالدين من اغلب عناصر القاعدة، فصرت اشبه بالمرشد الروحي لهم، وهذا سهل علي مهمة التجسس”. لاحقا، طلب منه العودة الى افغانستان، بعد تدريب دقيق، بحجة رغبته في استعادة روحه الايمانية. قضى ايمن السنوات الثمانية التالية جاسوسا مزدوجا لصالح جهازي الامن والاستخبارات البريطانيين، ليصنف كواحد من اكثر عملاء الاستخبارات جرأة في تاريخها. في عام 2001، كلف بايصال تحذير غامض لاربعة عناصر في لندن: “غادروا لندن قبل الاول من سبتمبر… شيء كبير سيحدث”. لكنه شهد نتائج “الشيء الكبير” على شاشات اوكسفورد ستريت: هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ورغم فشل ذلك التحذير، نجح ايمن لاحقا في احباط هجوم كان يستهدف مترو نيويورك، خطط له معلمه ابو خباب، ووصلت معلوماته حينها الى البيت الابيض مباشرة.

اقرأ أيضًا: المادة المفقودة.. علماء يحددون مكانها بالكون باستخدام موجات الراديو السريعة

اختبارات الموت في قلب العدو

خلال ثماني سنوات من العمل المزدوج في افغانستان، واجه ايمن دين اختبارات مميتة كادت تودي بحياته. في احد المواقف العصيبة، كان يطبخ في احد المعسكرات حين شعر ببرودة فوهة مسدس تضغط على اسفل ظهره. قال له احدهم: “اعترف. نعرف من انت. نعرف مع من تعمل”. لكن ايمن حافظ على هدوئه التام، لان تدريبه الدقيق علمه كيفية كشف الكذب. اتضح لاحقا ان ما حدث كان مجرد اختبار روتيني من قبل التنظيم. وعن سر بقائه حيا طوال تلك الفترة، لخص ايمن الامر بقوله: “السر هو ان تنسى انك جاسوس”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *