يشهد الاقتصاد الأمريكي موجة إفلاس واسعة للشركات لم تشهدها البلاد منذ الأزمة المالية العالمية قبل خمسة عشر عاماً، حيث أعلنت 371 شركة أمريكية كبرى إفلاسها خلال النصف الأول من عام 2025. وتتزامن هذه الأزمة مع ارتفاع أسعار الفائدة واضطراب سلاسل التوريد والحروب التجارية، مما يضع ضغوطاً هائلة على الشركات والمستهلكين على حد سواء.
ارتفاع تاريخي في إفلاس الشركات الأمريكية
أظهرت بيانات حديثة صادرة عن “ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس” أن 371 شركة أمريكية كبرى أعلنت إفلاسها خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025. يمثل هذا الرقم أعلى مستوى لإفلاس الشركات منذ أكثر من عقد ونصف، مما يعكس تدهوراً اقتصادياً متسارعاً.
يتجاوز عدد حالات الإفلاس المسجلة هذا العام الرقم الذي سُجل في العام الماضي، والذي بلغ 335 شركة، كما أنه يمثل أكثر من ضعف عدد حالات الإفلاس المسجلة في نفس الفترة من عام 2022. هذه الأرقام تشير إلى تزايد الضغوط المالية على الشركات في مختلف القطاعات.
في تفاصيل الأشهر الأخيرة، واصلت وتيرة الإفلاس ارتفاعها بشكل ملحوظ. ففي شهر يونيو وحده، انهارت 63 شركة، محافظةً على وتيرة شهرية مرتفعة، وذلك بعد إفلاس 64 شركة في شهر مايو الماضي. هذا يؤكد أن الأزمة تتصاعد ولا تظهر بوادر للتباطؤ حتى الآن.
القطاعات الأكثر تضرراً وتداعياتها
تصدرت شركات الصناعات قائمة القطاعات الأكثر تضرراً، مسجلةً 58 حالة إفلاس خلال الفترة المذكورة. هذا يشير إلى ضعف في قاعدة الإنتاج والتصنيع الأمريكية التي تعد حيوية للاقتصاد الكلي.
تلتها شركات السلع الاستهلاكية التقديرية، التي شهدت 49 حالة إفلاس، مما يعكس تراجعاً في الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري. كما تأثر قطاع الرعاية الصحية بشكل كبير، مسجلاً 27 حالة إفلاس، مما يثير تساؤلات حول استدامة الخدمات الأساسية.
يُرجع المحللون الاقتصاديون هذه الموجة الواسعة من الإفلاس إلى مزيج قاتل من العوامل المتداخلة. يأتي في مقدمتها ارتفاع أسعار الفائدة الذي يزيد من تكلفة الاقتراض على الشركات، إضافة إلى اضطراب سلاسل التوريد العالمية الذي يؤثر على توافر المواد الخام وتكاليف الإنتاج.
أسعار الفائدة تضغط على المستهلكين والشركات
تمثل أسعار الفائدة المرتفعة التي يطبقها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عبئاً مزدوجاً على الاقتصاد. فهي من ناحية تقلص قدرة المستهلكين على الاقتراض والإنفاق، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على السلع والخدمات في الأسواق.
وفي الوقت نفسه، تضغط أسعار الفائدة بشدة على الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض لتمويل عملياتها اليومية والتوسع. هذا يشمل تجديد المخزون، وشراء المعدات الجديدة، وسداد الرواتب للموظفين، بالإضافة إلى تمويل خطط النمو والتوسع.
هذا الضغط المالي يدفع العديد من الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، إلى حافة الهاوية. تواجه هذه الشركات صعوبة بالغة في تحمل تكاليف الاقتراض المتزايدة، مما يقلل من قدرتها على المنافسة ويجعل الإفلاس خياراً حتمياً للكثير منها.