في كشف علمي مذهل، أعلن باحثون عن أدلة جديدة تفسر أين تختبئ المادة العادية المفقودة في الكون. هذه المادة الضرورية، التي تشكل النجوم والكواكب والبشر، لم يرصد نصفها بعد. دراستان حديثتان، نشرتا في يونيو 2025، رسمتا خريطة لتوزيعها باستخدام تقنيات متطورة كـ”انفجارات الراديو السريعة” و”الأشعة السينية”.
لغز المادة العادية المفقودة في الكون
المادة العادية، أو ما يعرف بالباريونات، تشمل كل ما هو ملموس ومرئي في الكون، مثل النجوم والكواكب والبشر وفقًا لوكالة ناسا. تمثل هذه المادة 15% فقط من إجمالي مادة الكون، بينما تشكل المادة المظلمة النسبة الأكبر بكثير. هذا التوزيع يترك تساؤلات حول جزء كبير من مكونات الكون المرئية.
يبقى نصف هذه المادة الباريونية عصيًا على الرصد المباشر، لانتشارها بشكل ضبابي ودقيق في الفضاء الشاسع. يمكن تشبيهها بضباب كوني خافت يصعب تحديده بالتقنيات التقليدية، ما جعلها تُعرف بالمادة المفقودة لعقود طويلة. هذا التحدي دفع العلماء للبحث عن أساليب جديدة للكشف عنها.
فك اللغز بـ”انفجارات الراديو السريعة”
استخدم العلماء انفجارات الراديو السريعة (FRBs) كأداة قوية لتتبع المادة المنتشرة في الفضاء. هذه الانفجارات هي ومضات شديدة وسريعة من موجات الراديو، تدوم لجزء من الثانية وتأتي من مجرات بعيدة للغاية. قدرتها على اختراق الفضاء الكوني تجعلها مثالية للكشف عن المادة غير المرئية.
تحليل بيانات 70 انفجارًا، منها واحد قادم من مسافة تقدر بتسعة مليارات سنة ضوئية، كشف عن توزيع دقيق لهذه المادة. توصل الباحثون إلى أن حوالي 76% من المادة العادية تتواجد داخل المجرات، وهو ما يؤكد التوقعات السابقة لتجمعات المادة.
بالإضافة إلى ذلك، وجد العلماء أن 15% من المادة تحيط بالمجرات على شكل “هالات” ضخمة من الغاز الساخن، بينما تنتشر البقية داخل الفضاء الشاسع بين المجرات. هذه النتائج تقدم رؤية جديدة وغير مسبوقة لتوزيع المادة الباريونية وتفسر جزءًا كبيرًا من لغز المادة المفقودة.
الأشعة السينية تكشف خيوط الغاز الكونية
بالتزامن مع البحث عن المادة المفقودة، قام فريق آخر من العلماء في دراسة مستقلة باستخدام بيانات الأشعة السينية. هدفهم كان الكشف عن خيط طويل من الغاز الساخن يربط بين تجمعات مجرية رئيسية. هذا النهج يكمل جهود الرصد بالموجات الراديوية ويوفر دليلًا إضافيًا على وجود المادة الخفية.
اكتشف الباحثون خيطًا يمتد عبر 23 مليون سنة ضوئية، ويربط بين أربعة عناقيد مجرية ضخمة. عبر تنقية الضوضاء وتحليل الفوتونات بعناية فائقة، تمكنوا من قياس خصائص هذا الخيط الغازي. هذه الملاحظة المباشرة تُعد إنجازًا كبيرًا في علم الفلك الرصدي.
وجد العلماء أن درجة حرارة الغاز تتجاوز 10 ملايين درجة مئوية، وأن كثافته تصل إلى 10 بروتونات لكل متر مكعب. هذه النتائج تتطابق بدقة مع النماذج النظرية التي حاولت تفسير مكان وجود المادة المفقودة. يؤكد هذا الاكتشاف الجديد صحة النماذج الكونية الحالية.
تشكل هاتان الدراستان نقطة تحول جوهرية في فهمنا لتوزيع المادة العادية في الكون، وتمنحان العلماء صورة أكثر اكتمالًا لتركيب الكون وهيكله المعقد. هذا التقدم يفتح أبوابًا واسعة لأبحاث مستقبلية حول تطور الكون وتشكل المجرات العملاقة. إنها خطوة كبيرة نحو فك أسرار الوجود الكوني.
يأمل الباحثون أن يؤدي الجمع بين تقنيات المراقبة المتقدمة مثل انفجارات الراديو السريعة والأشعة السينية إلى تسريع الاكتشافات الكبرى في المستقبل. هذا التعاون بين التقنيات المتنوعة سيمكن العلماء من رسم خرائط أكثر تفصيلاً للكون، وتقديم إجابات جديدة حول نشأة المجرات وتاريخ تطور الكون بأكمله.