شاطئ العريش، جوهرة شمال سيناء، يستعيد بريقه كوجهة صيفية فريدة تجمع بين جمال المتوسط وتراث سيناء الأصيل. يشهد الشاطئ إقبالاً متزايداً من الزوار، مستعرضاً مبادرات شبابية مبتكرة كـ “العرائش” التقليدية، ومشاهد طبيعية ساحرة كالغروب وحوض الجزيرة، بالإضافة إلى شاطئ السفينة الذي تحول لأيقونة للصمود.
يمتد شاطئ العريش على ضفاف البحر الأبيض المتوسط في قلب شمال سيناء، ليقدم للزوار تجربة فريدة تمزج بين خصوصية المكان الجغرافية والثقافية. هذا الساحل الممتد قبالة مدينة العريش ينبض بالحياة كل صيف، مع مشاهد جذابة تستحق الاستكشاف، وتؤكد على استعادة المنطقة لمجدها السياحي تدريجياً.
يُعد شاطئ العريش من أبرز الشواطئ على سواحل البحر المتوسط، ويشهد خلال فصل الصيف تدفقاً كبيراً من المواطنين والزوار القادمين من مختلف المحافظات المصرية. يعود هذا الإقبال إلى موقعه الاستراتيجي المميز، ورماله النقية البيضاء، وهدوء مياهه التي توفر بيئة مثالية للاسترخاء والترفيه. وينقسم الشاطئ بشكل منظم إلى مناطق متعددة تلبي الأذواق المختلفة للزوار.
تجد على امتداد الشاطئ مناطق عامة تتميز بالبساطة والرحابة، إضافة إلى أماكن أخرى توفر خصوصية أكبر وتجهيزات متكاملة لاستقبال العائلات. هذا التنوع يضمن لكل زائر العثور على المساحة التي تناسب احتياجاته، سواء كان يبحث عن أجواء حيوية أو عن ملاذ هادئ بعيداً عن صخب الحياة اليومية. كما يعزز هذا التقسيم تجربة الزوار ويجعلها أكثر راحة ومرونة.
“العرائش” .. أصالة سيناوية تعانق البحر
من بين المشاهد البارزة التي تلفت انتباه الزائرين لشاطئ العريش، الانتشار الكثيف لأشجار النخيل على طول الساحل، مما يمنح الشاطئ طابعاً استوائياً مميزاً ونادراً على سواحل البحر المتوسط. استغل شباب العريش هذه الطبيعة الخلابة بشكل مبتكر وفعال، من خلال إعادة إحياء جذوع النخيل القديمة وتحويلها إلى “عرائش” تقليدية تعكس بوضوح هوية المدينة الأصيلة.
تتجاوز هذه العرائش كونها مجرد مظلات توفر الظل من أشعة الشمس، لتصبح تجربة بصرية وروحية متكاملة. يجري جمع جريد النخيل الذي تجاوز عمره الافتراضي وتدويره يدوياً بمهارة عالية، لصناعة مظلات دائرية تتراوح أقطارها بين مترين وأربعة أمتار. تُزين هذه المظلات بإضاءات خافتة تضفي جواً ساحراً، بالإضافة إلى خيوط ملونة تنسدل برشاقة فوق الرمال البيضاء.
تُفرش تحت العرائش بُسطٌ عربية تقليدية وتُرتب كراسٍ بسيطة، لتتحول هذه المساحات إلى بيوت مؤقتة مفتوحة على البحر مباشرة، تمنح الزائرين لحظات من السكينة والهدوء وصفاء الذهن. هذه التصاميم المبتكرة ليست فقط عملية، بل تعزز الانتماء الثقافي وتوفر ملاذاً مثالياً للاسترخاء والتأمل في جمال الطبيعة المحيطة. يحكي الأهالي أن اسم مدينة العريش مشتق أصلاً من هذه “العرائش” البدائية.
كانت تلك العرائش تمثل بيوتاً أولية شيدها الأجداد باستخدام جريد النخيل المنتشر بكثافة على الساحل، وقد شكلت نواة الحياة الأولى على هذه الأرض الطيبة. اليوم، تعود هذه العرائش للظهور لكن بشكل رمزي وجميل، لتوحد بين عراقة الماضى وحيوية الحاضر، وتعبر بصدق عن الهوية الثقافية والتراث الأصيل لشمال سيناء. تتجدد هذه العرائش مع كل موسم صيفي بأفكار إضافات مبتكرة.
يتنافس مقدمو الخدمات على الشاطئ لتقديم أشكال جديدة لهذه العرائش، بزخارف مختلفة وإضاءات متجددة وترتيبات خاصة للجلسات، مما يجعل من كل عريشة عملاً فنياً متفرداً يعكس ذوق صاحبها وإبداعه. تُعزز هذه المبادرة في جوهرها قيم الاستدامة والوعي البيئي، من خلال إعادة استخدام مخلفات النخيل بشكل فعال، بدلًا من التخلص منها كمخلفات عديمة الفائدة.
بالإضافة إلى ذلك، تخلق هذه المبادرات فرصاً اقتصادية مستدامة لأبناء المدينة، وتوفر خدمات سياحية محلية تتميز بطابع تراثي فريد وجذاب. هذا الابتكار يساهم في تنمية المجتمع المحلي ويعزز جاذبية الشاطئ كوجهة سياحية متكاملة، تجمع بين التراث والإبداع الحديث. يتيح للزوار فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة مع لمسة ثقافية أصيلة.
غروب العريش وحوض الجزيرة .. سحر الطبيعة وروح التأمل
مع دخول المساء، يتحول شاطئ العريش إلى مسرح مفتوح للدهشة والإبهار، حيث يصبح الغروب هنا ليس مجرد لحظة زمنية عابرة، بل حدثاً بصرياً وروحياً ينتظره الجميع بشغف. عندما تبدأ الشمس بالانخفاض وتلامس الأفق الساحر، يتحول لون البحر تدريجياً من الأزرق الفيروزي إلى الذهبى المتلألئ، ثم إلى البرتقالي الدافئ، لينتهي بالأحمر المتوهج.
يُختتم هذا المشهد الخلاب بابتلاع الأفق لقرص الشمس في لحظة تخطف الأنفاس وتترك أثراً عميقاً في النفوس. يقول محمد سليمان، أحد أبناء العريش، إن الغروب في العريش يتميز بطقسه الخاص الذي يشبه تأملاً جماعياً في الجمال، حيث يتوقف الناس عن كل شيء لمتابعة المشهد حتى نهايته بشغف وحب، مؤكداً أنه طقس يومي لا يُمل منه بل يُنتظر بشوق.
في هذه اللحظة الساحرة، تصمت الأصوات وتُعلَى عدسات الهواتف والكاميرات، التي تتسابق مع الزمن لتوثيق لحظة الغروب التي أصبحت مادة يومية ثمينة للمصورين المحترفين والهواة، وكذلك لرواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين يشاركونها مع متابعيهم. لا يكتمل سحر العريش دون الحديث عن “حوض الجزيرة”، الذي يُعد من أكثر المواقع الطبيعية تميزاً وجمالاً.
يقع حوض الجزيرة على امتداد شاطئ الريسة شرق مدينة العريش، ويتميز بتكوينه الجغرافى الفريد والآسر. تشكل هذا الموقع الساحر بفعل التداخل الطبيعي لمياه البحر مع التلال الرملية الذهبية، مما أفرز بحيرة صغيرة هادئة محاطة بالرمال البيضاء النقية وأشجار النخيل الشاهقة، التي تضفي على المكان جمالاً استوائياً خلاباً. المكان بات مقصداً مثالياً للعائلات والمغامرين.
بينما يستمتع الأطفال بالسباحة في المياه الهادئة والآمنة للحوض، يتسلق الشباب التلال الرملية العالية المحيطة لمشاهدة البحر من أعلى نقطة ممكنة، قبل أن ينزلقوا برشاقة نحو الشاطئ في مشاهد تفيض بالحيوية والبهجة. يفضل كثيرون الجلوس في هدوء تام بالقرب من الحوض، وتحضير الشاي الدافئ والوجبات الخفيفة، والاستمتاع بالصفاء الذي توفره الطبيعة البكر دون أي تدخل بشري.
يشير أحد زوار المنطقة إلى أن ما يميز حوض الجزيرة هو نقاؤه التام، فالمكان يخلو من المباني الإسمنتية والضوضاء، ليقدم الطبيعة البكر كما خلقها الله في أبهى صورها. إنه الملاذ المثالي للتأمل واستعادة الصفاء الذهني بعيداً عن صخب المدينة وتلوثها، لعيش لحظات من السكينة المطلقة.
“شاطئ السفينة”.. أيقونة جديدة للصمود والجمال
في مشهد آخر مدهش يضاف إلى سحر العريش، يقع “شاطئ السفينة” الذي أصبح أيقونة سياحية جديدة ومميزة على ساحل المدينة. تعود تسمية هذا الشاطئ الفريد إلى سفينة حديدية مهجورة جنحت إلى الشاطئ قبل سنوات مضت، واستقرت على الرمال الناعمة، فبدت وكأنها نبتت من الأرض لتشكل جزءاً أصيلاً من المشهد الطبيعي. هذا الهيكل الصدئ، الذي كان مهملًا في البداية، تحوّل بفضل رؤية وإبداع الشباب المحلي إلى معلم بصري ووطني ملهم.
رفع هؤلاء الشباب علم مصر شامخاً فوق بقايا السفينة، ليحولوا هذا الحطام البحري إلى رمز قوي للصمود والانتماء الوطني، وموقعاً رئيسياً يستقطب الزوار من كل مكان لالتقاط الصور التذكارية الرائعة. يزداد سحر المكان خاصة في وقت الغروب حين يلفّ الضوء الذهبى المتوهج هيكل السفينة ويضفي عليها بهاءً لا يضاهى. بادر الشباب بتنظيم المنطقة وتوفير جلسات بسيطة مريحة وخيام ومظلات واقية.
حول هذا الجهد شاطئ السفينة إلى وجهة متكاملة ومثالية للراحة والاستجمام، حيث يمكن للزوار قضاء ساعات طويلة في استكشاف المكان والاستمتاع بجماله الفريد. اليوم، أصبح “شاطئ السفينة” مكاناً يقصده الناس ليس للترف الباذخ، بل للبساطة والجمال الطبيعي، حيث يلتقي الجميع على حب المكان والذكريات المشتركة. تُعاد فيه اكتشاف الجمال الكامن في الأشياء المهجورة والمنسية.
مع تحسن الأوضاع الأمنية وعودة الحياة الطبيعية تدريجياً إلى مدينة العريش، عاد شاطئ العريش ليأخذ مكانته المستحقة كوجهة سياحية جديرة بكل اهتمام. هنا، لا تقدم العريش لزوارها مجرد البحر والرمال الذهبية فحسب، بل تقدم تجربة سياحية غنية بالروح الأصيلة، والطبيعة البكر، والتاريخ العريق، والإبداع المحلي الذي يجسده أبناء المدينة في كل زاوية.
في العريش، تحمل كل زاوية من الشاطئ قصة فريدة تستحق أن تُروى وتُكتشف. من العرائش التي تحاكي بيوت الأجداد وتعبر عن أصالة المكان، إلى حوض الجزيرة الهادئ الذي يحتضن التأمل والسكينة، وصولاً إلى السفينة التي تحولت من حطام إلى أيقونة للصمود والجمال. وبين هذا وذاك، يلف الغروب المكان كله بسحر لا يوصف، يرسم لوحات فنية طبيعية لا تُنسى.
إنه شاطئ العريش، حيث تتجسد الطبيعة في أبهى صورها المدهشة، وتنبض الحياة على إيقاع البحر الهادئ ونسيم النخيل المتمايل. مدينة العريش تأبى أن تُنسى، وتُصر بكل إصرار على أن تكتب فصولًا جديدة من الجمال والسلام والازدهار، مستقبلة زوارها بأذرع مفتوحة وقلب دافئ، مقدمة لهم تجربة لا تُنسى تعبق بعبق التاريخ وجمال الحاضر.