ظنوه جنونًا.. قصة الصفقة التي أنقذت فيسبوك

في عام 2012، واجه مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لفيسبوك آنذاك، قلقًا كبيرًا قبل طرح شركته للاكتتاب العام، خاصة مع تحول المستخدمين السريع نحو الهواتف المحمولة. هذا التحول الرقمي أثار مخاوف المستثمرين بشأن تراجع قيمة فيسبوك، ما جعل زوكربيرج يمضي ليالٍ بلا نوم خوفًا من فشل وشيك للشركة. وسط هذه التحديات، لفت انتباهه تطبيق صغير يدعى إنستجرام.

كيف حول زوكربيرج قلقه إلى فرصة؟

كان إنستجرام في ذلك الوقت متاحًا فقط على أجهزة آيفون، ويعمل عليه فريق صغير يتكون من 13 شخصًا فقط. ورغم بساطة المشروع وعدم تحقيقه أي إيرادات بعد، رأى زوكربيرج فيه فرصة هائلة وواعدة للغاية. كان يرى في هذا التطبيق إمكانات نمو هائلة في عالم يزداد فيه الاعتماد على المحتوى المرئي.

تواصل مارك زوكربيرج مباشرة مع كيفن سيستروم، مؤسس إنستجرام، لمناقشة مستقبل الإنترنت والشبكات الاجتماعية. هذا التواصل المباشر أظهر رؤية زوكربيرج الاستراتيجية وقدرته على اتخاذ قرارات سريعة خارج الأطر التقليدية. الصفقة أثبتت لاحقًا أنها كانت حاسمة لمستقبل الشركتين معًا.

اقرأ أيضًا: لأول مرة .. الصين تطلق ذراعاً روبوتية بسبع وظائف في أعماق البحار

مليار دولار: صفقة غيرت موازين القوة

خلال لقاء شخصي جمعهما، تم الاتفاق على الصفقة في غضون 48 ساعة فقط، دون تدخل أي بنوك استثمارية أو مستشارين قانونيين، ما يعكس ثقة زوكربيرج المطلقة في رؤيته وقدرته على التفاوض. في النهاية، استحوذ فيسبوك على إنستجرام مقابل مليار دولار أمريكي، وهو رقم ضخم لتطبيق ناشئ.

عندما أبلغ مارك زوكربيرج أعضاء مجلس إدارة فيسبوك بالصفقة لاحقًا، تعرض لانتقادات واسعة. اعتبر البعض قراره “متهورًا” ومبالغًا فيه، خاصة وأن إنستجرام لم يكن يحقق أي إيرادات وقتها. لكن الواقع أثبت عكس ذلك تمامًا، وأظهر أن الصفقة كانت رؤية مستقبلية.

بعد فترة وجيزة من الاستحواذ، أطلقت إنستجرام نسختها لنظام أندرويد، وسجلت مليون عملية تحميل في اليوم الأول فقط، مما يؤكد الإقبال الجماهيري الكبير على التطبيق. حينها، أدرك زوكربيرج أن المستخدمين في العصر الحديث لا يبحثون فقط عن التواصل، بل عن الاهتمام والتأثير وبناء علاماتهم الشخصية.

اقرأ أيضًا: هام.. طرح نسخة تيك توك الجديدة بالولايات المتحدة منتصف سبتمبر

قدم إنستجرام هذه المنصة المرئية الفريدة التي أتاحت للناس التعبير عن أنفسهم بشكل إبداعي، وبناء جمهور واسع، وكذلك تحقيق أرباح من المحتوى الذي يقدمونه. هذا الفهم العميق لاحتياجات المستخدمين كان جوهر النجاح الذي حققه التطبيق. بالإضافة إلى ذلك، اختار زوكربيرج إبقاء كيفن سيستروم في موقع القيادة ومنح إنستجرام استقلاليته الكاملة، ما ساعد على احتفاظه بهويته الفريدة وتحقيق نمو مستدام ومتواصل.

إنستجرام: من تطبيق صور إلى عملاق بمليارات الدولارات

تحول إنستجرام من مجرد تطبيق لمشاركة الصور إلى منصة ضخمة لصناعة المحتوى، حيث أصبح موطنًا للمؤثرين والمبدعين والمعلنين من جميع أنحاء العالم. هذا التطور الكبير جعله قوة اقتصادية وإعلامية مؤثرة للغاية في المشهد الرقمي. كما أثر على طريقة تفاعل الشركات مع المستهلكين ووصولهم إليهم.

ووفقًا لأرقام عام 2024، حقق التطبيق عائدات إعلانية تتراوح بين 66.9 مليار و70.9 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعكس قيمته التجارية الهائلة. ومن المتوقع أن تصل هذه الإيرادات إلى ما بين 59.6 مليار و71 مليار دولار في عام 2025، مما يؤكد استمرار نموه وربحيته العالية في المستقبل القريب.

يضم إنستجرام اليوم أكثر من 2 مليار مستخدم نشط شهريًا حول العالم، ويعد ثالث أكبر منصة تواصل اجتماعي عالميًا، مما يجعله مركزًا حيويًا للتفاعل الاجتماعي والتجاري. وفي الهند وحدها، وهي سوق ضخمة، يتراوح عدد المستخدمين بين 362.9 مليون و413.85 مليون مستخدم، مما يؤكد انتشاره الواسع.

تظهر البيانات أن إنستجرام ساهم بنسبة تتراوح بين 40.6% و41.49% من إجمالي إيرادات الإعلانات لشركة “ميتا” في عام 2024، مما يبرز أهميته المحورية ضمن محفظة الشركة. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى قرابة 50% في عام 2025، مما يعزز مكانته كقاطرة أساسية لنمو “ميتا” في الأعوام القادمة. الصفقة التي وصفها البعض بالمغامرة، أثبتت مع مرور الوقت أنها كانت قرارًا استراتيجيًا بارعًا من مارك زوكربيرج، ونجحت في تأمين مستقبل فيسبوك وسط عصر هيمنة الهواتف المحمولة، بل وساهمت في تحويله إلى قوة إعلامية وإعلانية يصعب منافستها عالميًا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *