تواجه شركة ستيلانتيس العملاقة لصناعة السيارات ضغوطًا هائلة في أوروبا، تهدد بإغلاق عدد من مصانعها، في ظل سعيها لمكافحة انبعاثات الكربون. هذا التحدي البيئي والتشريعي يقف حائلًا أمام جهود الشركة لتعزيز مكانتها، ويجبرها على خيارات صعبة قد تشمل تداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق في القارة العجوز.
أزمة الانبعاثات تهدد ستيلانتس الأوروبية
تجد شركات صناعة السيارات نفسها في قلب عاصفة تشريعية وبيئية تهدف إلى مكافحة التغير المناخي في أوروبا. تلزم هذه التشريعات المصنعين بالالتزام بحدود صارمة للغاية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهي قيود تزداد صرامة باستمرار لضمان تحقيق الأهداف المناخية. عدم الامتثال لهذه القواعد قد يكلف الشركات غرامات فادحة قد تصل إلى مليارات اليوروهات، مما يشكل عبئًا ماليًا لا يطاق على ميزانياتها التشغيلية.
على الرغم من التعديلات التشريعية التي أقرت في مايو 2025، والتي سمحت بحساب الانبعاثات على مدى ثلاث سنوات (2025-2027) بدلاً من عام واحد، إلا أن هذا الإجراء لم يُزل الخطر تمامًا عن كاهل الشركات. يبقى التهديد قائمًا، حيث أن أي تجاوز للحدود المسموح بها سيؤدي حتمًا إلى عقوبات مالية ضخمة، مما يجعل الالتزام بهذه المعايير أولوية قصوى.
مليارات اليورو غرامات وخيارات صعبة
كشف جان فيليب إمباراتو، رئيس ستيلانتيس في أوروبا، عن حجم التحدي المالي الذي تواجهه الشركة. فقد صرح خلال مؤتمر عُقد في البرلمان الإيطالي بأن ستيلانتيس قد تواجه غرامات مالية تصل إلى 2.5 مليار يورو، أي ما يعادل حوالي 2.95 مليار دولار أمريكي، وذلك في غضون عامين أو ثلاثة أعوام قادمة، إذا لم تنجح في تحقيق أهداف الانبعاثات المطلوبة منها.
هذا المبلغ الهائل يضع الشركة أمام مفترق طرق حاسم. وأوضح إمباراتو أن لدى ستيلانتيس خيارين استراتيجيين لا ثالث لهما للتعامل مع هذا الموقف المعقد. يتمثل الخيار الأول في تكثيف جهودها بشكل كبير لزيادة مبيعات السيارات الكهربائية في جميع أنحاء القارة الأوروبية، لتعويض الانبعاثات العالية لمركبات الوقود التقليدي.
أما الخيار الثاني والأكثر قسوة، فهو تقليل إنتاج السيارات المزودة بمحركات الاحتراق الداخلي، سواء البنزين أو الديزل، بشكل جذري. هذا المسار قد يدفع الشركة إلى إغلاق مصانع بأكملها، مما يمثل تحولاً هائلاً في استراتيجيتها الإنتاجية ويحمل تداعيات اجتماعية واقتصادية جسيمة.
مصير المصانع على المحك: مستقبل مجهول
عبر إمباراتو عن هذا المأزق بلهجة صريحة وواضحة، مؤكدًا على التحدي الكبير الذي يواجهونه. وقال: “لدي حلان: إما أن أكثف جهودي (في استخدام الكهرباء) أو أن ألغي استخدام محركات الاحتراق الداخلي، وبالتالي أغلق المصانع”. يعكس هذا التصريح الصريح واقعًا مريرًا تواجهه صناعة السيارات الأوروبية ككل.
تشير هذه التصريحات إلى مرحلة حرجة تمر بها شركات السيارات في أوروبا، حيث تجد هذه الكيانات الضخمة نفسها عالقة بين التشريعات البيئية الطموحة، التي تفرض معايير صارمة للحد من الانبعاثات، والواقع الإنتاجي الذي ظل معتمدًا حتى الآن على محركات الوقود التقليدي بكثافة. هذا التضارب يخلق ضغطًا هائلاً يتطلب قرارات مصيرية.
في حالة ستيلانتيس، التي تمتلك علامات تجارية أوروبية بارزة وعريقة مثل بيجو وأوبل وفيات، فإن أي قرارات بإغلاق المصانع قد تكون لها تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة ومباشرة. هذه التداعيات لن تقتصر فقط على الآلاف من الموظفين الذين قد يفقدون وظائفهم، بل ستؤثر بشكل مباشر على سلاسل التوريد المحلية والصناعات المغذية المرتبطة بالقطاع.
بينما تبدو ستيلانتيس وكأنها تستعيد زخمها وتوسع نطاقها في الولايات المتحدة، خاصة بفضل استراتيجيات تيم كونيسكيس وتوسيع علامة SRT عالية الأداء، تواجه الشركة في أوروبا معركة بقاء بيئية واقتصادية حقيقية. تحقيق النجاح في تخفيض الانبعاثات دون التضحية بمصانعها الحالية أو قدرتها التنافسية سيكون الاختبار الأهم لهذه الشركة في المرحلة القادمة.