تترقب الساحة السياسية الامريكية بحذر بالغ، تدشين الملياردير الشهير ايلون ماسك لحزبه السياسي الجديد، الذي اطلق عليه اسم “حزب امريكا”. هذا الاعلان اثار موجة من التساؤلات حول مدى قدرة هذا الكيان الوليد على حجز مقاعد داخل الكونغرس الامريكي، والمصاعب الجمة التي قد تعترض طريقه في بلد يمتلك نظاما سياسيا عريقا ومتجذرا. ترى صحيفة واشنطن بوست ان مهمة تحويل هذا الحزب الى قوة سياسية مؤثرة تكاد تكون مستحيلة، رغم النفوذ المالي الهائل الذي يتمتع به ماسك.
كان ماسك، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، قد قدم دعما ماليا ضخما للحملة الانتخابية الناجحة لدونالد ترامب عام 2024، ليصبح بذلك اكبر ممول سياسي في الولايات المتحدة الامريكية. بعد ذلك، قاد ماسك جهود تاسيس “ادارة الكفاءة الحكومية” ضمن ادارة ترامب. الا ان مسار العلاقة بين الرجلين شهد تحولا جذريا، حيث يبدو ان ماسك قد دخل في مرحلة انفصال واضحة عن ترامب ومعظم الجمهوريين، مهددا بتاسيس كيان حزبي جديد يرفض الانفاق الحكومي المفرط الذي يجسده مشروع قانون الضرائب والانفاق الذي وقعه الرئيس. في مواجهة هذا الطموح الكبير، تبرز امام “حزب امريكا” ستة تحديات جوهرية تتطلب تجاوزها لتحقيق اي نجاح.
نظام انتخابي معاد للاحزاب الجديدة
تواجه الاحزاب السياسية الناشئة في الولايات المتحدة عقبات مؤسسية هيكلية يصعب تجاوزها. ابرز هذه العقبات هو نظام “الفائز يحصل على كل شيء” المتبع في الانتخابات، والذي يجعل صعود اي حزب صغير امرا عسيرا للغاية. في هذا السياق، يوضح البروفيسور هانز نويل، الاستاذ بجامعة جورجتاون، انه “لا توجد في امريكا اليات تسمح للاحزاب الصغيرة بالنجاح دون فوز مباشر”. اضافة الى ذلك، تفرض قواعد الاقتراع المتباينة بين الولايات الامريكية شروطا شبه تعجيزية، مثل متطلبات الاقامة وتوقيعات الناخبين، وهي شروط سبق لها ان احبطت مساعي احزاب اخرى مثل الليبرتاريين والخضر.
ارث تاريخي من الفشل
يشير التاريخ السياسي الامريكي الى صعوبة بالغة في تحقيق الاحزاب الثالثة نجاحا يذكر. رغم المحاولات المتكررة لمرشحين خارج الثنائية التقليدية (الجمهوري-الديمقراطي)، لم يتمكن اي مرشح رئاسي من الفوز باصوات في المجمع الانتخابي منذ فوز جورج والاس، مرشح الحزب الامريكي المستقل، باصوات خمس ولايات جنوبية عام 1968. حتى الملياردير روس بيرو، الذي حصد نسبة 19% من الاصوات الشعبية عام 1992، لم ينل صوتا انتخابيا واحدا بسبب طبيعة النظام الانتخابي الامريكي الذي لا يكافئ الاصوات المتفرقة.
استراتيجية غير واضحة المعالم
على الرغم من اعلان ايلون ماسك عبر منصة “اكس” اعتزامه التركيز على انتخابات التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ القادمين، الا انه لم يحدد بعد السباقات التي سيخوضها الحزب او اسماء المرشحين المحتملين. يحذر الخبراء من امكانية ان تتسبب هذه المقاربة المبهمة في فوضى انتخابية كبيرة، وقد تؤدي الى تقسيم الاصوات المؤيدة للجمهوريين، لا سيما في الولايات المتارجحة التي تعد حاسمة في تحديد نتائج الانتخابات.
غموض الهوية السياسية
طرح ماسك برنامجا حزبيا يدعو الى خفض الدين العام، وتحديث الجيش باستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات، اضافة الى دعم تحرير القيود وحرية التعبير، وتبني مواقف داعمة للتكنولوجيا والانجاب، مع التاكيد على “السياسات الوسطية في كل مكان”. يدعي قطب الاعمال ان حزبه يمثل “80% من الناخبين غير المنتمين للاحزاب”. لكن البروفيسور نويل يشكك في وجود كتلة ناخبة موحدة قابلة للحشد، مشيرا الى ان “الناس غير راضين عن الحزبين، لكن لا يوجد اجماع على بديل”، متسائلا عن الاهداف المحددة لماسك.
عزلة سياسية ونقص الحلفاء
شهد نفوذ ايلون ماسك داخل الحزب الجمهوري تراجعا ملحوظا بعد خلافاته العلنية مع دونالد ترامب. ردا على خطوة ماسك بتاسيس حزب جديد، اعلن جيمس فيشبك، احد المقربين من ترامب، عن تاسيس لجنة سياسية لمواجهته بشكل مباشر. يذكر المحللون السياسيون ان بناء حزب ناجح يتطلب وجود شبكة داعمة قوية ومستعدة للعمل الميداني على الارض، وليس مجرد تمويل مالي كبير.
الصبر والمثابرة
شكك البروفيسور ماكوركل في قدرة ايلون ماسك على تحمل البيروقراطية السياسية الطويلة والمعقدة، فهو معروف بطموحاته التكنولوجية الصاروخية وعدم التزامه بالقواعد التقليدية. يقول ماكوركل: “لست متاكدا من امتلاكه الصبر الكافي”. يحذر الخبير من تحول هذا المشروع الى “احراج سياسي” اذا ما اجتذب الحزب مرشحين غير مؤهلين طمعا في اموال ماسك، مشيرا الى خسارة ماسك السابقة في سباق محكمة ويسكونسن رغم انفاقه 20 مليون دولار. يختتم ماكوركل بالتشكيك في دوافع الملياردير، مؤكدا ان “ما يفعله الان نابع من عداء لترامب اكثر من كونه مشروعا سياسيا طويل الامد. لا اعتقد انه سيكرس حياته لبناء حزب”.