يحتفل العالم في السابع من يوليو من كل عام باليوم العالمي للغة السواحيلية، إجلالاً لمكانتها المتفردة وانتشارها المتسارع بين أكثر من 200 مليون متحدث. هذه اللغة الإفريقية الرائدة باتت جسرًا ثقافيًا يربط شعوب شرق ووسط وجنوب القارة، وتعبر عن طموحات الوحدة والتكامل الإقليمي، محققة حضورًا عالميًا لافتاً.
السواحيلية: لغة تجمع القارة
يحتفي العالم في السابع من يوليو باليوم العالمي للغة السواحيلية، اعترافاً بمكانتها المتفردة وانتشارها المتسارع. يتحدث بها ما يزيد على 200 مليون إنسان، مما يجعلها من أكثر لغات إفريقيا شيوعًا وأشدها أثرًا في نسيجها الثقافي.
غدت السواحيلية لسانًا جامعًا لشعوب شرق ووسط وجنوب القارة، مما يعزز التواصل والوحدة. تبنتها هيئات إقليمية كبرى مثل الاتحاد الإفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الإفريقي والجماعة الإفريقية الشرقية كلغة رسمية، تعبر عن طموح الوحدة وروح التكامل بين الدول.
ليست السواحيلية مجرد وسيلة تواصل، بل هي كيان نابض يجمع الشعوب ويستبطن ذاكرتها الجمعية. تعمل السواحيلية وعاءً يحمل ملامح الهوية الإفريقية ونبض ثقافتها ونداء وحدتها، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والقاري.
حضرت اللغة السواحيلية بقوة في لحظات النضال الكبرى، على ألسنة المناضلين وهتافات التحرر. كان للمعلم جوليوس نيريري، أحد أبرز رموزها، دور فاعل في ترسيخها رمزًا للكفاح والكرامة، لتصبح أيقونة للتحرر في القارة.
واصلت السواحيلية رحلتها، فدخلت قاعات التعليم وارتقت إلى أروقة الدبلوماسية. صدحت هذه اللغة عبر منابر الإعلام، لتصبح جسرًا للفهم المتبادل ورسالةً للتآخي بين الشعوب المختلفة، مؤكدة دورها كقوة ناعمة.
جذور السواحيلية وتاريخها العريق
تحمل اللغة السواحيلية في طياتها تاريخًا عريقًا صاغته أجيال متعاقبة من التفاعل بين ثقافات شتى. يجمع الباحثون على وجود روايتين رئيسيتين تفسران نشأتها وتطورها على مر العصور، مما يضيف بعدًا تاريخيًا غنيًا لها.
ترى إحدى الروايتين أن السواحيلية لغة بانتوية الأصل، نمت على سواحل إفريقيا الشرقية بين القرنين الأول والخامس للميلاد. كانت هذه اللغة لسانًا مشتركًا ساعد شعوب البانتو على التفاهم مع التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية وآسيا، حتى أصبحت مع الوقت لغة راسخة في مضمار التجارة والتبادل الثقافي والعلاقات الدولية.
أما الرواية الأخرى، فترى في التأثير العربي عاملًا جوهريًا في تبلور اللغة السواحيلية. اسمها ذاته مشتق من اللفظ العربي “سواحلي”، أي “المنتمي إلى الساحل”، وهو ما يعكس عمق الروابط التاريخية بين شعوب الساحل الشرقي لإفريقيا والتجار العرب.
أغنت المفردات العربية، وأنماط الكتابة، والأساليب النحوية هذه اللغة مع مرور الزمن. ازدهرت بها المجتمعات الساحلية، حتى غدت السواحيلية لغة حية تنبض بالحضور في الشأن المحلي والعالمي على السواء، لتصبح رمزًا للتعايش الثقافي.
السواحيلية: رافعة للتنمية وصون التراث
ارتقت هذه اللغة إلى مقام رفيع، فنالت شرف أن تكون أول لغة إفريقية يُخصص لها يوم دولي. جاء ذلك بقرار من منظمة اليونسكو، اعترافًا بالدور الذي تنهض به في تعزيز التعددية اللغوية وإشاعة ثقافة التسامح وترسيخ ركائز التنمية المستدامة.
تعد السواحيلية ليست أداة للتفاهم فحسب، بل هي دعامة للتعليم الرصين ومرآة تُصان بها الذاكرة الثقافية. تعمل هذه اللغة منصة تنبثق منها الرؤى الاجتماعية والاقتصادية في حاضر القارة ومستقبلها، مما يعزز التفكير المستقبلي.
تعتبر السواحيلية بمثابة جسر حي يصل بين الحضارات، وتسهم في ترسيخ تعليم ذي جودة، وصون التراث الثقافي، وتفعيل التقدم الاجتماعي والاقتصادي. إنها لغة متعددة الأوجه تلعب أدوارًا حيوية في بناء مجتمعات قوية ومستدامة.
إنها في بنيتها وروحها ليست لسانًا فقط، بل حامل هوية ومرآة قيم وعدسة يبصر بها الإفريقي موقعه في العالم وتاريخه بين الأمم. وفي تعدد مفرداتها وثراء صورها تنعكس فسيفساء إفريقيا بكل أطيافها، وتنبثق منها رؤى جامعة تعبر القارات.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار A/RES/78/312 اعترافًا بمكانة السواحيلية المتنامية على الساحة الدولية. أكد القرار الدور المتفرد الذي تضطلع به هذه اللغة في تعميق التضامن الإنساني، وترسيخ السلام، وتغذية الوعي بالانتماء القاري المشترك، في عالم يشهد تحولات متسارعة.
يبلغ عدد اللغات المعروفة في العالم، وفقًا لما تفيده يونسكو، نحو 8,324 لغة، بينما ما بقي منها قيد الاستعمال لا يتعدى 7,000 لغة. يدعو هذا الرقم إلى بالغ الانتباه حول مصير اللغات في العالم اليوم.
تندثر لغة كل أسبوعين في صمت غالبًا، من غير أن تترك أثرًا في نُظم التعليم أو في المنصات الرقمية أو في النقاشات العامة. مع كل لغة تندثر، يُحرم العالم رؤى إنسانية فريدة، وأنساقًا معرفية تقليدية، وتعابير إبداعية صاغتها قرائح الأجيال عبر القرون.
تبرز اللغة الكيسواحيلية في قلب هذا المشهد بوصفها عنصرًا محوريًا، لما تنطوي عليه من إرث لغوي خصب وتطور ثقافي مشترك بين شعوب متعددة. يظهر ذلك بوضوح في تاريخها الغني وتأثيرها الواسع.
يعد صون هذه اللغة والتوسع في استخدامها حمايةً لواحدة من أكثر اللغات الإفريقية انتشارًا. يمثل ذلك حرصًا على جسر حي يصل بين ثقافات متنوعة ومجتمعات متعددة، ويعزز سبل التفاهم بينها على نطاق عالمي.