انفراجة .. ضمادة الجروح الذكية تقضي على الالتهاب وتسرع التئام الجروح

طوّرت الباحثة الرائدة بورتي أمير أوجلو “ضمادة الجروح الذكية”، وهي جل هيدروجيل انتقائي يشبه الإسفنج. يهدف هذا الابتكار إلى تقليل الإشارات الالتهابية بفعالية وتعزيز شفاء الجروح المزمنة، مما يوفر حلاً متطوراً لمشكلة طبية عالمية تشكل عبئاً اقتصادياً كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية.

الابتكار الواعد لضمادات الجروح الذكية

يُشكل تحدي الجروح المزمنة مشكلة طبية كبيرة تكلّف أنظمة الرعاية الصحية مليارات الدولارات سنوياً حول العالم. وفي هذا السياق، قادت الباحثة بورتي أمير أوجلو، من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ، جهوداً لتطوير منتج فريد يعالج هذه الجروح المستعصية بكفاءة عالية. نُشر هذا البحث المبتكر في مجلة Advanced Healthcare Materials، ما يؤكد أهميته العلمية والطبية.

تعتبر ضمادة الجروح الذكية بمثابة هيدروجيل حبيبي، يمكن تصميم جزيئاته الصغيرة بشكل خاص. يتيح هذا التصميم للضمادة القدرة على التقاط الإشارات الالتهابية الضارة أو إطلاق جزيئات علاجية تدعم عملية الشفاء الطبيعية. إن هذا التطور يمثل نقلة نوعية في مجال رعاية الجروح، مستهدفاً المشكلات الجذرية التي تعيق التئام الأنسجة.

اقرأ أيضًا: خير مصر زاد.. وزير الزراعة يكشف عن توريد 4 ملايين طن قمح منذ بداية الموسم

بدأت مسيرة الباحثة بورتي أمير أوجلو الأكاديمية في تركيا، ثم انتقلت إلى زيورخ بعد حصولها على درجة الماجستير. انخرطت مباشرة في عالم الهندسة الطبية الحيوية المتعدد التخصصات بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ. اعترفت الباحثة في بدايات أبحاثها للدكتوراه، بأنها لم تكن تعرف الكثير عن الهيدروجيل، لكن هذا الغموض تحديداً أثار اهتمامها وألهمها لنقطة انطلاق هذه التقنية الجديدة الواعدة.

غالباً ما ترتبط الجروح المزمنة بحالات صحية مثل داء السكري أو اضطرابات الدورة الدموية، حيث يعاني المصابون من جروح جلدية مفتوحة يصعب التئامها لأشهر أو حتى سنوات. يعود ذلك في كثير من الأحيان إلى استجابة مناعية مفرطة، حيث يبقى الجسم في حلقة من الالتهاب بدلاً من التحول نحو التجديد. ويهدف هذا الابتكار إلى تحويل الجرح من حالته الالتهابية وتوجيهه نحو مسار الشفاء الصحيح، مما يساعد الأنسجة على إرسال إشارة تفيد بأن الوقت قد حان للتجديد.

آلية عمل الضمادة في تعزيز الشفاء

تتخيل الضمادة الذكية كهيكل إسفنجي ذي قدرة امتصاص عالية، فهي تتكون من جزيئات هلامية دقيقة تُعرف باسم “الهلاميات الدقيقة”، التي لا تُرى بالعين المجردة. عند اجتماع هذه الجزيئات بأعداد كبيرة، تشكل بنية ناعمة شبيهة بالإسفنج. في بيئة المختبر، تبدو المادة النهائية كجيلٍ ذي قوام ناعم، مما يسهل تطبيقها على الجروح بمرونة فائقة.

اقرأ أيضًا: عاجل.. %92 من القراء يؤيدون تكثيف حملات الرقابة على محال الجزارة لمواجهة تجار اللحوم المغشوشة

يمكن تزويد هذا الهيكل بمركبات سطحية خاصة تُسمى “الربيطات”، وهي جزيئات تستهدف إشارات التهابية محددة وترتبط بها بشكل انتقائي. يمكّن هذا التصميم المبتكر الضمادة من التمييز بين الإشارات المفيدة والضارة. الهدف ليس امتصاص أي شيء وكل شيء، بل إزالة الجزيئات المسببة للالتهابات بشكل انتقائي، تلك التي تضر الأنسجة، وفي الوقت نفسه البدء في العمليات التي تعزز الشفاء والتجديد.

آفاق مستقبلية وتحديات الجروح المزمنة

تستلهم هذه التقنية الجديدة مبادئ عمل الكائنات الحية الأكثر تعقيداً، حيث تُنظم الهياكل المعقدة تبادل المواد بكفاءة عالية، تماماً كما تتواصل الخلايا داخل الأنسجة. وتعتمد ضمادة الجروح الذكية على وحدات بناء صغيرة متعددة لإنشاء بنية قابلة للتكيف، مما يتيح إمكانيات واسعة للتطوير المستقبلي. هذه القدرة على التكيف تعزز فعالية الضمادة في بيئات بيولوجية متنوعة.

الباحثون قادرون على توسيع “مكتبة كتل البناء” هذه، مما سيسمح في المستقبل بتخصيص التقنيات لمختلف مجموعات المرضى والأمراض الأساسية. هذا يعني أنه يمكن تجهيز حبيبات الهلام بروابط سطحية أخرى متنوعة. بالتالي، يمكن التقاط رسل التهابية مختلفة، حسب نوع العيب النسيجي أو الحالة الطبية المحددة للمريض، مما يوفر علاجاً أكثر دقة وتخصيصاً.

تتكون الهلاميات المائية الحبيبية من كتل بناء دقيقة جداً، ويمكن استخدامها كضمادة قابلة للحقن مباشرة على الجروح. يعمل انتشار السيتوكينات الالتهابية واحتجازها، إلى جانب إطلاق عوامل محفزة لتكوين الأوعية الدموية، على تحسين نتائج التئام الجروح. بينما يركز الباحثون حالياً على جروح الجلد المزمنة، يمكن أن تساعد هذه التقنية أيضاً في علاج تلف الأنسجة الداخلية، مثل التئام العظام أو الغضاريف أو الأوتار.

يمكن أن تعاني هذه الأنسجة الداخلية من نقص في إمداد الدم، مما يتطلب غالباً تبادلاً فعالاً للكتلة أثناء تجديدها. على النقيض من الطرق الحالية، مثل أجهزة الشفط الميكانيكية أو ضمادات الجروح غير المحددة التي تجفف الجرح تماماً، تستهدف ضمادات الجروح التي ابتكرتها أمير أوجلو السبب الجذري للمشكلة وهي مخصصة للاستخدام في مرحلة مبكرة، مما يزيد من فرص الشفاء الكامل.

لم تكن الباحثة الشابة تنوي دخول عالم الأعمال في البداية، إلا أنه مع اقتراب نهاية أطروحتها للدكتوراه، بدأت هي وشريكها المؤسس سينج التفكير جدياً في تطوير المشروع تجارياً. بدأت أمير أوجلو رسمياً زمالتها الريادية في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ في بداية أبريل 2025. تتعلم الباحثة حالياً آليات السوق واحتياجات الأطباء، وكيف يمكن تحويل أبحاثها إلى منتج فعال وذو قيمة طويلة الأجل، مؤكدة أن الهدف ليس طرح منتج في السوق بأسرع وقت ممكن، بل بناء قيمة حقيقية ودائمة في مجال الطب.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *