ملايين الأطفال في اليمن خارج المدارس.. جيل كامل يدفع ثمن انهيار قطاع التعليم.
تتجلى أزمة التعليم في اليمن بوضوح داخل خيمة مهترئة في فناء مدرسة حكومية بلحج، حيث تشرح المعلمة سعاد صالح قواعد اللغة العربية لأكثر من مئة تلميذ يتكدسون في مكان ضيق، معظمهم بلا زي مدرسي أو كتب، ورغم هذه الظروف القاسية، يُعتبر هؤلاء التلاميذ محظوظين مقارنة بنحو 4.5 مليون طفل حرمتهم الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد من مقاعد الدراسة وفقاً لتقديرات منظمة اليونيسف.
ويواجه القطاع التعليمي في اليمن، الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، تحديات جسيمة ومتراكمة، فإضافة إلى غياب المعلمين الذين دخلوا في إضراب طويل في سبتمبر 2024 بسبب تدني الرواتب وتأخر صرفها، تسببت الحرب في تدمير ما يقارب 3 آلاف مدرسة بشكل كلي أو جزئي، بحسب إحصائيات اليونيسف لعام 2022، مما فاقم من صعوبة الوصول إلى الفصول الدراسية وأدى إلى نقص حاد في الكتب المدرسية والمستلزمات الأساسية، وهذه العوامل مجتمعة ترسم صورة قاتمة لمستقبل التعليم في البلاد وتزيد من تعقيدات المشهد الإنساني.
تحديات رواتب المعلمين في ظل أزمة التعليم في اليمن
تعمل المعلمة المنتقبة سعاد صالح، البالغة من العمر 30 عامًا، كمتطوعة في مدرسة “الرباط الغربي”، حالها كحال غالبية زميلاتها اللواتي بقين في الميدان بعد أن هجر المعلمون النظاميون وظائفهم بحثًا عن مصادر دخل أكثر استقرارًا، وقد عبرت عن معاناتها قائلة إن الراتب الضئيل الذي يبلغ 50 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 30 دولارًا أمريكيًا، لا يكفي لتلبية أبسط متطلبات الحياة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وهذا الوضع يعكس عمق أزمة التعليم في اليمن التي تدفع الكوادر التعليمية إلى التخلي عن مهنتها، مما يترك فراغًا كبيرًا في المنظومة التعليمية ويهدد مستقبل الأجيال القادمة التي تعتمد على هؤلاء المعلمين في تحصيل العلم والمعرفة.
يدرس في هذه المدرسة أكثر من 1300 تلميذ، غالبيتهم من النازحين من خارج عدن، ويتوزعون على مبنى صغير متهالك وثمانية كرافانات معدنية تستخدم كفصول دراسية مؤقتة، وتوضح صالح أن عدد التلاميذ في الصف الواحد يتجاوز 105 طلاب، مما يجعل السيطرة عليهم مهمة شبه مستحيلة وتستغرق وقتًا طويلًا، فضلاً عن تأثير الكثافة العددية على قدرة الطلاب على الاستيعاب والكتابة والقراءة، وفي كرافان مجاور، يفترش أكثر من 80 تلميذًا الأرض، بعضهم حفاة الأقدام، ويحملون حقائب مدرسية مقدمة من جهات خيرية، بينما يتقاسمون عددًا محدودًا من الكتب المدرسية، ويساهم أولياء الأمور بمبلغ رمزي قدره ألفا ريال يمني شهريًا، أي ما يعادل 1.25 دولار، لتأمين رواتب المعلمين المتطوعين، وهذه الصورة المصغرة تكشف حجم المعاناة التي يعيشها قطاع التعليم في المناطق التي تديرها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
كيف يفتقد الطلاب لأبسط الأساسيات في النظام التعليمي اليمني؟
يعتمد التلاميذ، الذين تظهر على الكثير منهم علامات واضحة لسوء التغذية، على عبوات البسكويت التي تقدمها الأمم المتحدة في الصباح لسد جوعهم ومساعدتهم على التركيز خلال اليوم الدراسي، وقد اشتكى وكيل المدرسة محمد المردحي من أن المؤسسة التعليمية تفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية اللازمة لبيئة تعليمية سليمة، فالمدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة تواجه عجزًا كبيرًا في توفير رواتب المعلمين الرسمية، التي تبلغ حوالي 100 ألف ريال يمني (60 دولارًا)، والتي لم تُدفع منذ ثلاثة أشهر على الأقل، مما يجبر الكثير من المدارس على الاعتماد على معلمات متطوعات يتقاضين أجورهن من مساهمات الأهالي.
أوضح المردحي أن المشكلات لا تقتصر على الجانب المادي فقط، بل تمتد لتشمل البنية التحتية والكوادر البشرية، حيث تواجه المدرسة تحديات رئيسية تتمثل في:
- غياب الفصول الدراسية الملائمة والمجهزة لاستيعاب الأعداد الكبيرة للطلاب.
- انعدام شبه تام للكهرباء، مما يؤثر على سير العملية التعليمية خاصة في الأيام الحارة.
- عدم توفر مصادر مياه نظيفة وصالحة للشرب داخل المدرسة.
- نقص حاد في المعلمين المدربين والمؤهلين، والاعتماد على متطوعات قليلات الخبرة.
وأشار إلى أن المعلمات المتطوعات يحتجن إلى تأهيل وتدريب مكثف لرفع كفاءتهن وقدرتهن على التعامل مع الظروف التعليمية الصعبة، كما أن المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تعاني من مشاكل مشابهة، حيث لا يتقاضى المعلمون رواتبهم وتفتقر المدارس للخدمات الأساسية، مما يؤكد أن أزمة التعليم في اليمن هي أزمة وطنية شاملة.
مبادرات الدعم السعودي ودورها في مواجهة أزمة التعليم في اليمن
بعد مرور عقد على تشكيل التحالف لدعم الحكومة الشرعية، أطلقت المملكة العربية السعودية “البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”، الذي يهدف إلى تمويل مشاريع حيوية بمئات الملايين من الدولارات بالتزامن مع جهودها لدفع عملية السلام، وضمن هذه المشاريع، تم تخصيص جزء كبير لقطاع التعليم، حيث شملت المبادرات تأهيل معلمات للالتحاق بالعملية التعليمية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل وبناء 31 مدرسة، ومن أبرز هذه المشاريع مدرسة “الحرم الجامعي” في عدن التي شُيدت في عام 2023 وتضم 14 فصلاً دراسيًا مجهزًا وتعمل بنظام الفترتين الصباحية والمسائية.
تتميز المدرسة الجديدة بفصولها الدراسية المجهزة بمقاعد معدنية ملائمة وألواح حديثة ومراوح، مع كثافة طلابية لا تتجاوز 40 تلميذًا في الفصل الواحد، مما يوفر بيئة تعليمية أفضل بكثير، ووفقًا لمديرة المدرسة فتحية العفيفي، فإن هذه المدرسة تخدم أبناء آلاف الأسر النازحة وكانت الوحيدة في منطقتها، مما ساهم في استيعاب أعداد كبيرة من الطلاب وتخفيف الضغط على المدارس الأخرى، وحذرت العفيفي من أن استمرار أزمة التعليم في اليمن سيكون له آثار كارثية، حيث إن توقف عجلة الدراسة يعني نشوء جيل كامل يفتقر لمهارات القراءة والكتابة، مما يعيد المجتمع إلى الوراء بينما يتقدم العالم.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، احتفى البرنامج السعودي بتخريج 150 فتاة مؤهلة للعمل في مجال التدريس في المناطق الريفية بأربع محافظات يمنية، وأكد مدير مكتب البرنامج في عدن، أحمد المداخلي، أن السعودية تنظر إلى التعليم باعتباره المحرك الأساسي لتنمية المجتمع اليمني، ويرى المحلل عمر كريم، الخبير في السياسة السعودية، أن التركيز على التعليم لا يساهم فقط في تحسين مؤشر التنمية البشرية والاقتصاد، بل يساعد أيضًا في إبعاد الشباب عن تأثير الجماعات المتطرفة.
لم تقتصر المساعدات السعودية على قطاع التعليم، بل شملت توفير نحو 12 مليار دولار منذ عام 2018 كدعم نقدي للبنك المركزي اليمني، بالإضافة إلى تمويل عشرات المشاريع في قطاعات حيوية أخرى مثل النقل والزراعة والصحة، في محاولة لدعم استقرار البلاد وتجاوز تداعيات الحرب.
