التشخيص الذاتي لاضطراب فرط الحركة.. كيف تخفي “معلومات الإنترنت” أمراضًا أكثر خطورة؟
التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أصبح ظاهرة مقلقة بشكل متزايد، خاصة بين الشباب، حيث كشف بحث علمي حديث أجرته جامعة تورنتو سكاربورو الكندية أن حملات التوعية المكثفة بهذا الاضطراب قد تحمل في طياتها تأثيرًا عكسيًا غير مقصود؛ فهي تدفع بعض الأفراد للاعتقاد خطأً بأنهم مصابون به، مما يفتح الباب على مصراعيه لزيادة معدلات التشخيص الذاتي غير الدقيق.
كيف يؤدي الوعي المفرط إلى التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟
إن حملات التوعية بالصحة العقلية، رغم أهدافها النبيلة في تشجيع الناس على فهم الأعراض وطلب المساعدة المتخصصة، قد تؤدي أحيانًا إلى عواقب غير متوقعة؛ فوفقًا للدراسة المنشورة في مجلة الطب النفسي، فإن هذه البرامج قد تدفع الأفراد إلى إعادة تفسير تجاربهم اليومية الطبيعية واعتبارها علامات خفية على وجود اضطراب نفسي، مما يجعلهم يتماهون مع تشخيص لا ينطبق عليهم في الواقع، وقد وجد الباحثون أن التوقعات السلبية وحدها كفيلة بتفاقم الأعراض المُتخيّلة، وهي ظاهرة تُعرف بتأثير “النوسيبو” (nocebo)، حيث يمكن أن يؤدي الاعتقاد الجازم بوجود مشكلة صحية إلى جعل الشخص يشعر بأعراضها بشكل حقيقي، وهذا ما يفاقم من مشكلة التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
تفاصيل الدراسة وتأثيرها على التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
قادت الباحثة داشا ساندرا وفريقها تجربة علمية دقيقة لفهم هذه الظاهرة بشكل أعمق، حيث استهدفت الدراسة 215 شابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا، والذين لم يتم تشخيصهم سابقًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ولا تنطبق عليهم المعايير السريرية للإصابة به، وتم تقسيم المشاركين عشوائيًا إلى ثلاث مجموعات مختلفة لحضور ورش عمل متخصصة.
- المجموعة الأولى: حضرت ورشة عمل تعريفية عن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه وأعراضه فقط.
- المجموعة الثانية: حضرت نفس الورشة التعريفية، لكنها تضمنت جلسة إضافية مدتها 10 دقائق تشرح تأثير “النوسيبو” وكيف يمكن للتوقعات السلبية أن تخدع العقل.
- المجموعة الثالثة: كانت بمثابة مجموعة ضابطة، حيث حضرت ورشة عمل حول موضوع محايد وهو النوم الصحي.
وكانت نتائج الدراسة كاشفة بشكل كبير، حيث أظهرت أن المشاركين في المجموعة الأولى الذين تلقوا معلومات توعوية فقط، تضاعف اعتقادهم بأنهم مصابون بالاضطراب، على الرغم من أن أعراضهم الفعلية لم تتغير، وهذا ما يبرز خطورة التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه الناجم عن المعلومات غير الموجهة، وتوضح ساندرا أن تبني تشخيص ما قد يبدو تفسيرًا مريحًا ومنطقيًا للتحديات العشوائية التي يواجهها الشباب في حياتهم، حتى وإن كانت تلك التحديات طبيعية تمامًا.
| المجموعة المشاركة | نسبة التشخيص الذاتي (بعد الورشة مباشرة) |
|---|---|
| مجموعة التوعية فقط | ارتفعت النسبة من 30% إلى 60% |
| مجموعة التوعية + درس النوسيبو | انخفضت معدلات التشخيص الذاتي الخاطئ إلى النصف |
هل يمكن تجنب التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟
الجانب الأكثر إيجابية في هذه الدراسة هو أنها لا تكتفي بتسليط الضوء على المشكلة، بل تقدم حلاً عمليًا وبسيطًا؛ فقد أثبتت أن إضافة جلسة تثقيفية قصيرة حول تأثير “النوسيبو” يمكنها أن تقلل بشكل كبير من معدلات التشخيص الذاتي غير الدقيق، ففي المجموعة التي تلقت هذا التدخل التعليمي، انخفضت معدلات التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى النصف فورًا، واختفت تمامًا بعد مرور أسبوع واحد فقط، وهذا يثبت أن تزويد الناس بالأدوات اللازمة للتفكير النقدي حول صحتهم العقلية لا يقل أهمية عن تزويدهم بالمعلومات حول الأعراض، وهو ما يجعل حملات التوعية أكثر أمانًا وفعالية وتساهم في تجنب التشخيص الخاطئ لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
تؤكد ساندرا أن الهدف ليس تثبيط الناس عن البحث عن معلومات أو طلب المساعدة عند الحاجة، فالوعي بالصحة النفسية يظل أمرًا حيويًا، ولكن الأهم هو تمكين الأفراد من تفسير تجاربهم الشخصية بدقة وموضوعية، وفهم الفرق بين التحديات الحياتية الطبيعية والأعراض السريرية التي تستدعي تدخلًا متخصصًا، وبهذه الطريقة يمكن تحقيق التوازن المطلوب.
