آلام الساق أثناء الدورة الشهرية ليست عادية دائماً.. متى تنذر بمشكلة صحية خطيرة؟
ألم الساق أثناء الدورة الشهرية ليس مجرد شعور بالإرهاق أو نتيجة لوضعية جلوس خاطئة كما تعتقد الكثيرات؛ بل هو ظاهرة معقدة ترتبط بشكل مباشر بالتغيرات البيولوجية العميقة التي تحدث في الجسم، والتي تشمل التقلبات الهرمونية، وآليات تدفق الدم، وتفاعلات الجهاز العصبي، مما يجعل فهم أسبابه خطوة أساسية للتعامل معه بفعالية وتجاوز الانزعاج المصاحب له خلال هذه الفترة الشهرية.
ما هي الأسباب الحقيقية وراء ألم الساق أثناء الدورة الشهرية؟
يُصنف ألم الساق أثناء الدورة الشهرية غالبًا على أنه “ألم رجيع”، وهو مصطلح يصف الألم الذي ينشأ في منطقة الرحم ثم ينتقل عبر مسارات عصبية متشابكة ليصل إلى الساقين؛ ويتأثر العصب الوركي، وهو أطول عصب في الجسم ويمتد من أسفل الظهر حتى القدمين، بشكل مباشر بهذه العملية، فعندما ينقبض الرحم بقوة للتخلص من بطانته، قد يسبب ذلك ضغطًا أو تهيجًا للأعصاب المجاورة، مما يترجم إلى شعور بالوجع أو الثقل أو الخفقان في الفخذين والساقين، وتلعب التغيرات الهرمونية دورًا محوريًا أيضًا، حيث إن انخفاض مستويات هرمون الإستروجين يؤدي إلى زيادة الالتهابات واحتباس السوائل في الجسم، وهو ما يسبب بدوره ألمًا في العضلات وتيبسًا في المفاصل، لا سيما حول الركبتين والكاحلين، مما يزيد من حدة الشعور بعدم الراحة.
وتشير مراجعة علمية منشورة في مجلة PMC إلى أن عسر الطمث الأولي يعود إلى زيادة إفراز مركبات البروستاجلاندين، وتحديدًا PGF2α و PGE2، داخل الرحم؛ هذه المواد الشبيهة بالهرمونات هي المسؤولة عن تحفيز انقباضات الرحم، لكن مستوياتها المرتفعة تؤدي إلى تقلصات عنيفة وتضييق في الأوعية الدموية المحيطة، مما يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى العضلات المجاورة ومنها عضلات الساقين، وهذا النقص في الدورة الدموية يسبب إحساسًا بالتعب والألم، وتزداد شدة هذا الألم لدى النساء اللاتي يعانين من حالات مرضية مثل بطانة الرحم المهاجرة أو متلازمة ما قبل الحيض بسبب التقلبات الهرمونية الأكثر حدة لديهن، مما يفاقم من مشكلة ألم الساق أثناء الدورة الشهرية.
| السبب الرئيسي | آلية التأثير على الساق |
|---|---|
| ارتفاع البروستاجلاندين | يسبب انقباضات رحمية قوية ونقص تدفق الدم إلى الساقين |
| تهيج العصب الوركي | ضغط الرحم المتورم على العصب يسبب ألمًا ممتدًا يشبه عرق النسا |
| بطانة الرحم المهاجرة | نمو أنسجة خارج الرحم بالقرب من أعصاب الحوض مما يسبب ألمًا مزمنًا |
| احتباس السوائل | التقلبات الهرمونية تسبب تورمًا في الساقين والكاحلين وشعورًا بالثقل |
استراتيجيات فعالة للتعامل مع ألم الساق أثناء الدورة الشهرية
لحسن الحظ، هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تخفيف ألم الساق أثناء الدورة الشهرية وتحسين جودة الحياة خلال هذه الفترة؛ وتعتمد هذه الاستراتيجيات على مزيج من العلاجات المنزلية البسيطة وتعديلات نمط الحياة التي تستهدف الأسباب الجذرية للألم، مثل تقليل الالتهاب وتحسين الدورة الدموية وإرخاء العضلات المتوترة، ومن خلال تطبيق هذه الإجراءات بانتظام، يمكن تقليل شدة الانزعاج بشكل ملحوظ والتمتع بفترة حيض أكثر راحة، ويمكن تلخيص أبرز هذه الوسائل في قائمة عملية تتيح لكِ اختيار ما يناسبكِ.
- العلاج بالحرارة أو البرودة: يساعد استخدام الكمادات الدافئة على إرخاء عضلات الرحم والساق المشدودة، مما يخفف التوتر ويحسن تدفق الدم؛ بينما يمكن استخدام الكمادات الباردة لتقليل الألم الناتج عن الالتهاب أو التورم.
- الحركة والتمارين الخفيفة: ممارسة تمارين لطيفة مثل المشي أو اليوجا تساهم في إطلاق الإندورفين، وهو مسكن الألم الطبيعي في الجسم، كما أنها تعزز دورة دموية صحية في الجزء السفلي من الجسم.
- التغذية والترطيب: شرب كميات وافرة من الماء وتناول أطعمة مضادة للالتهابات وغنية بالمغنيسيوم وأحماض أوميجا 3، مثل السبانخ والسلمون وبذور الكتان، يساعد على تخفيف الالتهابات وتشنجات العضلات.
- التدليك ورفع الساقين: تدليك الساقين بلطف يحفز تدفق الدم ويقلل من تراكم السوائل، في حين أن رفع الساقين فوق مستوى القلب أثناء الاستلقاء يخفف الضغط ويعزز تصريف السوائل المتراكمة.
- مسكنات الألم: يمكن لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين أن تقلل من إنتاج البروستاجلاندين وتخفف الألم، ولكن يجب دائمًا اتباع إرشادات الجرعة أو استشارة الطبيب.
متى يصبح ألم الساق أثناء الدورة الشهرية علامة خطر؟
على الرغم من أن ألم الساق أثناء الدورة الشهرية يعد عرضًا شائعًا لدى الكثيرات، إلا أنه في بعض الحالات قد يتجاوز كونه مجرد انزعاج مؤقت ليشير إلى وجود مشكلة صحية كامنة تتطلب اهتمامًا طبيًا فوريًا؛ فمن الضروري التمييز بين الألم الطبيعي والعلامات التحذيرية الخطيرة، فإذا كان الألم الذي تشعرين به حادًا للغاية، أو مستمرًا حتى بعد انتهاء فترة الحيض، أو يتركز في ساق واحدة فقط، أو يكون مصحوبًا بأعراض أخرى غير معتادة مثل الخدر والتورم الشديد أو صعوبة في المشي، فإن استشارة طبيبة نسائية تصبح أمرًا لا غنى عنه، حيث قد تكون هذه الأعراض مؤشرًا على حالات مثل تجلط الأوردة العميقة (DVT) أو وجود حالة متقدمة من بطانة الرحم المهاجرة التي تؤثر بشكل مباشر على أعصاب الحوض، وفي مثل هذه الحالات، قد يكون من الضروري إجراء فحوصات تشخيصية دقيقة مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية أو الرنين المغناطيسي للحوض لتحديد السبب الأساسي ووضع خطة علاجية مناسبة.
إن الإحساس بألم في الساق خلال فترة الحيض هو في جوهره دليل على مدى ترابط أجهزة الجسم المختلفة، حيث تتفاعل الأعضاء التناسلية مع الجهاز العصبي والعضلي استجابةً للتغيرات الهرمونية الشهرية، ورغم أن هذا الألم غالبًا ما يكون حميدًا ومؤقتًا، إلا أن الألم الشديد أو المستمر يستدعي دائمًا التقييم الطبي.
