19 عامًا مرت.. هل تلاشى أثر أستاذ الكوميديا فؤاد المهندس أم لا يزال ملكًا للضحكة؟
يصادف اليوم الثلاثاء الموافق 16 سبتمبر الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الفنان الكبير فؤاد المهندس، الذي ترك إرثًا فنيًا استثنائيًا لا يزال حيًا في ذاكرة الجمهور العربي. لم يكن المهندس مجرد ممثل كوميدي، بل كان مدرسة فنية متفردة أسست لخط جديد في الأداء، وظل حاضرًا بأعماله الخالدة عبر المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون.
فؤاد المهندس: حكاية ابن العباسية الذي صنع البهجة
في ذكرى وفاة الفنان فؤاد المهندس، نسترجع بداياته في حي العباسية بالقاهرة، حيث وُلد في 6 سبتمبر 1924 لأسرة عريقة اهتمت بالعلم والفن. كان والده زكي المهندس عالمًا في اللغة العربية، بينما أخته صفية المهندس تُعد من أبرز الإذاعيات المصريات. برزت خفة ظله الفطرية منذ طفولته، وتألق على خشبة المسرح لأول مرة في المدرسة، ثم خلال دراسته بكلية التجارة بجامعة القاهرة. شكلت نصيحة الفنان الراحل نجيب الريحاني محطة فارقة في مسيرته، عندما وجهه قائلًا: “مش عايزك تقلدني، عاوزك تكون فؤاد المهندس”، ليبدأ بعدها رحلة تميز وإبداع فني لا تُنسى.
فؤاد المهندس والمسرح: قدسية وطقوس الأداء الصارمة
ارتبط الفنان الراحل فؤاد المهندس بالمسرح ارتباطًا وثيقًا، وكان يتعامل معه بمنتهى القدسية والاحترام. أكد ابنه محمد في تصريحات سابقة أن والده كان يذهب إلى المسرح قبل العرض بساعتين كاملتين، يرتدي ملابس شخصيته، ثم يقف خلف الستار متأملًا في صمت تام، رافضًا أي إزعاج أو حديث معه. ويُروى موقف شهير مع الإعلامي مفيد فوزي الذي حاول محاورته قبل رفع الستار، فقاطعه المهندس بحزم قائلًا: “لو سمحت أستاذ مفيد، الستار هيترفع”. هذا الالتزام المهني جعله يكتسب تقدير جمهوره وزملائه، وترك بصمة فريدة في تاريخ المسرح المصري.
عشق أم كلثوم: جانب إنساني في حياة الأستاذ
لم تكن شخصية فؤاد المهندس فنية بحتة، بل كانت تتميز بجوانب إنسانية عميقة تشبه المصريين في تفاصيل حياتهم. كان يُعرف عنه عشقه الجنوني لأغاني كوكب الشرق أم كلثوم، لدرجة أنه اختار زوجته الأولى لكونها تشبهها في الملامح. وروى نجله أنه كان يرفع صوت الراديو عاليًا داخل سيارته في حي الزمالك إذا سمع أغنية للست، ولم يكن يتردد في تقبيل يدها في المناسبات العامة تعبيرًا عن حبه وتقديره لها.
شويكار وفؤاد المهندس: ثنائية فنية خالدة وحب بعد الانفصال
شكلت العلاقة بين فؤاد المهندس والفنانة شويكار واحدة من أنجح الثنائيات في تاريخ الفن المصري، حيث قدما معًا أعمالًا لا تُنسى في السينما والمسرح والإذاعة. وعلى الرغم من انفصالهما، ظلت علاقتهما قوية يسودها الود والتقدير المتبادل، فقد كانت تعد له الطعام وترسله إليه، لأنه لم يكن يستسيغ الأكل إلا من يديها. ومع ذلك، أكدت شويكار في أحد لقاءاتها التلفزيونية أن عصبيته وغيرته الشديدة كانتا السبب الرئيسي وراء انفصالهما.
“كلمتين وبس”: صوت صباح المصريين لأكثر من ثلاثة عقود
من العلامات البارزة والمحفورة في ذاكرة الأجيال بمسيرة فؤاد المهندس، برنامجه الإذاعي الشهير “كلمتين وبس”. بدأ البرنامج عام 1968 واستمر لأكثر من ثلاثين عامًا عبر إذاعة الشرق الأوسط. هذا البرنامج، الذي كتبه الكاتب أحمد بهجت وأخرجه يوسف حجازي، أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين اليومية، حيث كانوا يفتحون به صباحهم ليستمعوا إلى “الأستاذ” وهو يعالج قضايا المجتمع بأسلوبه الفكاهي الذكي والمباشر.
طرائف ومواقف لا تُنسى في حياة فؤاد المهندس
بعيدًا عن الأضواء والكاميرات، تمتع فؤاد المهندس بروح مرحة وعفوية، ومن أبرز طرائفه عشقه الشديد للمانجو، حتى أنه كان يفضل تناولها داخل الحمام كي لا تتسخ ملابسه الأنيقة. كما كان معروفًا بحرصه الشديد على المواعيد، لدرجة أنه كان يضبط أكثر من عشرة منبهات في منزله خوفًا من التأخر.
أعمال فنية خالدة في المسرح والسينما
قدم الفنان فؤاد المهندس عشرات الأعمال التي أصبحت من كلاسيكيات الكوميديا المصرية. في المسرح، تألق في مسرحيات مثل “السكرتير الفني”، “أنا وهو وهي”، “سيدتي الجميلة”، “سك على بناتك”، و”هالة حبيبتي”. أما في السينما، فخلّد اسمه بأفلام بارزة منها “اعترافات زوج”، “مطاردة غرامية”، “أرض النفاق”، “أخطر رجل في العالم”، و”الراجل ده هيجنني”، وقد شاركته الفنانة شويكار في معظم هذه الأعمال الفنية.
“عمو فؤاد”: حضور رمضاني يلامس قلوب الأجيال
لا يمكن الحديث عن ذكرى وفاة فؤاد المهندس دون الإشارة إلى فوازير “عمو فؤاد” التي رافقت الأطفال والكبار طوال أكثر من عشر سنوات في شهر رمضان المبارك. بصوته الدافئ وأغانيه الطفولية البسيطة، نجح في أن يكون قريبًا من العائلات المصرية، حتى أصبح لقب “عمو فؤاد” علامة مرتبطة بالبهجة والذكريات الطفولية الجميلة لدى أجيال متعددة.
إرث فؤاد المهندس: الكوميديا الهادفة رسالة باقية
مع حلول ذكرى وفاة فؤاد المهندس، في السادس عشر من سبتمبر عام 2006، بعد عشرة أيام فقط من عيد ميلاده، يبقى إرثه الفني راسخًا في وجدان المصريين والعرب. لقد ترك خلفه ثروة فنية لا تقدر بثمن يصعب تكرارها، فمسرحياته وأفلامه وبرامجه الإذاعية وفوازيره كلها شواهد على عبقرية فنان آمن بأن الكوميديا رسالة سامية، وأن الضحك أداة قوية للتغيير والإصلاح المجتمعي، وليس مجرد وسيلة للتسلية العابرة.