تحذير للمدارس والأسر.. مخاطر جديدة تدفع التلاميذ لترك مقاعد الدراسة

مع بدء كل موسم دراسي جديد، يواجه الكثير من التلاميذ تحديات نفسية واجتماعية تتجاوز الجانب الأكاديمي، فظواهر مثل التنمر وإدمان الأجهزة الذكية باتت تعيق رغبتهم في العودة إلى مقاعد الدراسة. تكشف الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى” عن حالات مقلقة لرفض التلاميذ للذهاب للمدرسة، مما يستدعي جهوداً متكاملة من الأهل والمؤسسات التعليمية لدعمهم.

التحديات الخفية لاستقبال العام الدراسي الجديد في الجزائر

لم يعد التحضير للدخول المدرسي يقتصر على شراء اللوازم الدراسية وتجهيز الزي المدرسي فحسب، بل يتسع ليشمل تهيئة نفسية واجتماعية عميقة تضمن اندماج التلميذ في بيئته الجديدة. فالعودة إلى المدرسة تعني العودة إلى شبكة من العلاقات والتفاعلات الجماعية التي تتطلب توازناً داخلياً. تبرز في السنوات الأخيرة تحديات مستجدة في المجتمع الجزائري، تؤثر سلباً على رغبة التلاميذ في العودة للمدرسة، بل وتصيب بعضهم بما يشبه الرهاب. هذه العوائق الخفية تشمل التنمر، والإدمان على الهواتف الذكية، والألعاب الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي تحول دون استمتاعهم بتجربة تعليمية إيجابية.

اقرأ أيضًا: رسميًا.. افتح حسابك في بنك الخرطوم أونلاين 2025 عبر تطبيق “بنكك” والمستندات المطلوبة

“ندى” تكشف عن حالات تنمر وعنف تدفع التلاميذ لرفض العودة للمدرسة

في إطار متابعتها لهذه الظواهر، كشفت الأستاذة خيرات حميدة، الأمينة العامة للشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى”، عن حالات لتلاميذ رفضوا العودة إلى الدراسة بسبب تعرضهم للتنمر والعنف داخل المؤسسات التعليمية. تؤكد الأستاذة حميدة على أهمية التواصل الإيجابي مع الأبناء للاستماع إلى مخاوفهم وتوقعاتهم بشأن العودة للمدرسة، وتشجيعهم على استعادة نمط الحياة المدرسية تدريجياً، بما في ذلك النوم المبكر وتقليل التعلق بالشاشات. كما نصحت بتنظيم لقاءات أو زيارات مع الزملاء قبل بدء العام الدراسي لتجديد العلاقات وتعزيز الشعور بالانتماء.

وقد وقفت شبكة “ندى” على قصص مؤثرة وصعبة، منها قصة طفل يتيم يبلغ من العمر ثماني سنوات من منطقة حمر العين بتيبازة، رفض العودة للمدرسة بعد تعرضه للتنمر والسخرية بسبب وجود شعر أبيض كثيف فوق حاجبه، حيث كان يُنعَت بـ “الوحش”. والمثير للدهشة في هذه الحالة، أن والد أحد المتنمرين قام بصفع الطفل الضحية داخل المدرسة واشتكاه للمدير، مما زاد من تحامل الإدارة عليه. تدخلت شبكة “ندى” في هذه القضية، وتم إبلاغ السلطات المحلية، وبعد إصرار الطفل على مقاطعة الدراسة، تم حل المشكلة وتوجيهه إلى مدرسة أخرى ليجد بيئة آمنة بعيداً عن التنمر المدرسي.

اقرأ أيضًا: بشرى للمواطنين والمقيمين.. تفاصيل تأشيرة عمرة المضيف الجديدة و8 شروط أساسية لاستخراجها

وفي حالة أخرى من العاصمة، تعرضت تلميذة لصدمة نفسية وشعور بـ “الحقرة” بعد أن شدت المعلمة أذنيها بقوة، مما جعلها ترفض العودة للدراسة. تدخلت عائلة التلميذة بالاتصال بشبكة “ندى”، التي قامت بمعالجة القضية واستدعاء بعض المسؤولين في المدرسة لتوعيتهم بخطورة مثل هذه التصرفات التي تنفر التلاميذ من التعليم. هذه الوقائع تسلط الضوء على تحديات كبيرة تواجه التلاميذ عند بداية كل موسم دراسي في الجزائر.

إدمان العالم الافتراضي يعيق اندماج التلاميذ الواقعي

أشارت الأمينة العامة لشبكة “ندى”، الأستاذة حميدة خيرات، إلى أن بعض حالات رفض العودة للمدرسة التي تلجأ عائلات التلاميذ فيها إلى المختصين والشبكة، تتعلق بالإدمان على العالم الافتراضي ومنصات التواصل الاجتماعي. في عصر أصبحت فيه الهواتف الذكية جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين، فإن هذه الأجهزة تلعب دوراً مزدوجاً؛ فهي أداة للتعلم أحياناً، ولكنها غالباً ما تتحول إلى مصدر للإدمان والانعزال الاجتماعي، خاصة خلال العطلة الصيفية الطويلة.

اقرأ أيضًا: لضمان انطلاقة قوية.. برادة يتفقد جاهزية المؤسسات التعليمية للدخول المدرسي

وأوضحت أن التلاميذ الذين قضوا ساعات طويلة في العالم الافتراضي، مستمتعين بمحتوى ترفيهي سريع ومكثف على منصات مثل يوتيوب وفيسبوك وتيك توك، يجدون صعوبة كبيرة في العودة إلى نمط الحياة الواقعي للمدرسة، إذ تبدو لهم الفصول الدراسية مملة وغير جذابة. تضيف الأستاذة خيرات أن فقدان التوازن بسبب التعود على النوم المتأخر والاستيقاظ المتأخر، الناتج عن الاستخدام المفرط للهاتف، يؤدي إلى اضطرابات في نمط الحياة وضعف في الاستعداد الذهني للدراسة. كما يتسبب في انعزال اجتماعي في الواقع، على الرغم من التواصل “الافتراضي” المستمر. هذا يؤثر على مهارات التفاعل الحقيقي لدى العديد من التلاميذ، مما يجعلهم يتهيبون من العودة إلى الأقسام ومواجهة الزملاء والمعلمين.

كما نبهت الأستاذة حميدة خيرات إلى أن بعض التلاميذ الذين يرفضون العودة للدراسة يعيشون تطلعات غير واقعية، نتيجة تعرضهم لمحتوى يظهر حياة مثالية أو رفاهية زائفة، مما يجعلهم يشعرون بالإحباط من واقعهم المدرسي ويقلل من حماسهم للعودة. تؤكد على ضرورة أن تضع الأسرة حدوداً واضحة لاستخدام الهاتف قبل بداية السنة الدراسية بأيام، وتنصح بفترة “فطام رقمي تدريجي” تقلل فيها ساعات الاستخدام اليومي مع اقتراب الدخول المدرسي. كما يجب على المدرسة أيضاً توعية التلاميذ بمخاطر الإدمان الرقمي وتأثيراته على الصحة النفسية والتحصيل الدراسي، لمواجهة إدمان الأجهزة الذكية الذي يؤثر على التحضير النفسي للمدرسة.

اقرأ أيضًا: للراغبين بالتميز.. غدًا ينطلق المزاد الإلكتروني للوحات المرور السعودي الفاخرة عبر منصة أبشر

جهود متكاملة ضرورية لدعم التحضير النفسي والاجتماعي للدراسة

حول هذا الموضوع، أكد الدكتور مسعود بن حليمة، خبير علم النفس العيادي، على وجود أدوار متكاملة بين المؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، والعائلات، لجعل التلاميذ أكثر ترحيباً وحباً للعودة إلى المدرسة. ينصح الدكتور بن حليمة بتنظيم أيام استقبال وتوجيه للتلاميذ الجدد لتعزيز اندماجهم، وتوفير أنشطة ترفيهية واجتماعية في بداية العام لكسر الحاجز النفسي، بالإضافة إلى إشراك الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين لدعم التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في الاستعداد الاجتماعي للتلاميذ.

يرى الخبير النفسي أن الدخول المدرسي لا يجب أن يكون عبئاً نفسياً على التلاميذ أو أولياء أمورهم، فبالاستعداد الجيد، خاصة من الناحية الاجتماعية والنفسية، يمكن تحويل هذه المرحلة إلى فرصة للتجديد، وبناء علاقات إيجابية، والانطلاق بسنة دراسية ناجحة.

اقرأ أيضًا: بشرى سارة.. فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أون لاين بالرقم الوطني | دليلك الكامل للتسجيل بسهولة

أسباب نفسية واجتماعية تزيد من رهاب العودة المدرسية

نبه الدكتور مسعود بن حليمة إلى وجود عدة أسباب نفسية واجتماعية وسلوكية قد تجعل التلاميذ يفقدون الرغبة في العودة إلى الدراسة بعد عطلة طويلة. تشمل هذه الأسباب:

  • القلق والتوتر والخوف من ضغط الدراسة أو القلق من الفشل وعدم تحقيق التوقعات.
  • الإجهاد المزمن الذي غالباً ما يصيب من يعانون من ضغط دراسي، فيشعرون بعد العطلة بأن طاقتهم لم تُسترجع بما فيه الكفاية.
  • تغير نمط الحياة خلال العطلة، كالنوم المتأخر والكسل والفوضى في المواعيد، مما يجعل الجسم والعقل يتعودان على “الراحة” ويصعب عليهما العودة للروتين المدرسي.
  • إدمان التكنولوجيا، أي الإدمان على الهاتف أو الألعاب الإلكترونية التي تجعل الواقع يبدو أقل متعة، مما يزيد من رهاب العودة للمدرسة.
  • التنمر والخلافات، والعلاقات العامة المتوترة، والشعور بعدم الانتماء أو التقدير داخل البيئة المدرسية.
  • ضعف الحوافز وغياب الهدف، وعدم وجود رؤية واضحة أو حافز قوي للنجاح الدراسي.

كما لفت المتحدث إلى وجود ضغوط مادية يتأثر بها بعض التلاميذ، مثل غلاء الأدوات أو تكاليف الدراسة، والشعور بالعجز أو الضغط داخل الأسرة، وهي كلها عوامل تساهم في تثبيط حماسهم للعودة إلى الفصول الدراسية.