تطور جديد يهدد ثروة الألماس الطبيعي.. بوتسوانا، ثاني أكبر منتج عالمي، تواجه تحديًا غير مسبوق من الألماس الصناعي.
يواجه اقتصاد بوتسوانا تحدياً كبيراً يهدد مصدر ثروته الأساسي المتمثل في الألماس الطبيعي مع تزايد انتشار الألماس الصناعي في الأسواق العالمية. بدأت المنتجات الصناعية الرخيصة تقلص الطلب على الأحجار الكريمة الطبيعية مما يضع ضغوطاً هائلة على إيرادات البلاد ويثير القلق بشأن مستقبل هذا القطاع الحيوي واستدامة الموارد الطبيعية. هذا التحول الجذري في سوق المجوهرات العالمية ألقى بظلاله على دولة تعتمد بشكل مفرط على سلعة واحدة.
تأثير الألماس الصناعي على صادرات بوتسوانا
تعتمد بوتسوانا بشكل كبير على صادرات الألماس الطبيعي التي تشكل ما يقرب من 80 في المائة من إجمالي صادراتها وتوفر ثلث الدخل الحكومي. لكن الألماس المزروع في المختبرات الذي أصبح يمثل نصف مشتريات خواتم الزواج في الولايات المتحدة بعد أن كانت نسبته لا تتجاوز 5 في المائة عام 2019 تسبب في صدمة كبيرة لهذه الإيرادات. هذا الاضطراب الكبير لم تشهده الأسواق منذ اكتشاف “الألماس الغروي” بكميات كبيرة على شواطئ ناميبيا مطلع القرن الماضي مما أثر على الأسعار حينها.
النوع | نسبة الحصة في سوق خواتم الزواج بالولايات المتحدة عام 2019 | نسبة الحصة حالياً (تقريباً) |
الألماس المزروع مختبرياً | 5% | 50% |
الألماس الطبيعي | 95% | 50% |
من الازدهار إلى المحنة: قصة الألماس في بوتسوانا
بعد اكتشاف رواسب الألماس الهائلة عام 1967 تحولت بوتسوانا إلى واحدة من أغنى دول جنوب الصحراء الكبرى من حيث نصيب الفرد. تحتل بوتسوانا المرتبة الثانية عالمياً بعد روسيا في إنتاج الألماس وتتركز عمليات الاستخراج في مناجم رئيسية مثل جوايانج وأوبانج. ومع ذلك أدت أزمة سوق الألماس العالمية إلى تحول هذه الثروة الطبيعية إلى محنة حقيقية تسلط الضوء على مخاطر الاعتماد الاقتصادي المفرط على سلعة واحدة. حتى الشعار التسويقي الشهير الذي رفعته شركة “دي بيرز” العالمية “ألماس يدوم للأبد” والذي ارتبط بازدهار السبعينيات بات اليوم يواجه واقعاً مؤلماً.
الفروقات الجوهرية: الألماس الطبيعي والمزروع
يختلف الألماس الطبيعي والمزروع مختبرياً في عملية التكوين والتكلفة بشكل جذري.
- الألماس الطبيعي: يتشكل على مدار مليارات السنين من بلورات كربونية تحت ضغط وحرارة شديدين في أعماق طبقات الأرض. ثم تطلق ثورات البراكين هذه الرواسب إلى طبقات يمكن للبشر استخراجها منها أو توجد في قيعان الأنهار والبحار والمحيطات. يتكلف استخراج وتشغيل الألماس الطبيعي أضعافاً عدة مقارنة بنظيره الصناعي.
- الألماس المزروع مختبرياً: يمكن تخليقه في غضون أسابيع أو أشهر داخل بيئة مختبرية مراقبة تحاكي الظروف الطبيعية. هذا يجعله أقل تكلفة بكثير وأكثر توفراً في الأسواق.
تداعيات الأزمة على مؤشرات بوتسوانا الاقتصادية
انعكست أزمة سوق الألماس العالمية على المؤشرات الاقتصادية الكلية لبوتسوانا بشكل مقلق. تشير التوقعات إلى أن العجز المالي لبوتسوانا قد يصل إلى 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025 وهو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية عام 2009 والأعلى على مستوى منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية في هذا العام. من المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي ليصل إلى 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو ضعف المعدل المسجل قبل عامين ويتجاوز الحدود المسموح بها تشريعياً. كما ألغت وزارة المالية البوتسوانية توقعاتها للنمو الاقتصادي عام 2025 مشيرة إلى احتمال انكماش الاقتصاد بنسبة 0.4 في المائة. وهبطت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية بنسبة 27 في المائة مقارنة بالعام الماضي وتتوقع مجموعة “سيتي جروب” أن تواصل بوتسوانا تخفيض قيمة عملتها المحلية “البولا”. وقد خفضت وكالتا “موديز” و”ستاندرد أند بورز” التصنيف الائتماني للبلاد إلى توقعات سلبية مما يؤكد المصاعب الضخمة المتعلقة بالسيولة ويهدد استقرار مالية البلاد واستدامة الأنشطة الحكومية.
هل تبحث بوتسوانا عن بدائل اقتصادية لمواجهة تحديات الألماس؟
تتعرض بوتسوانا لضغوط حادة لإعادة هيكلة اقتصادها المتوقف على الألماس الطبيعي. فمع تراجع بريق الألماس المزروع بدأت البلاد تتجه نحو الدين بعد سنوات من تقييد الاقتراض. تواجه البلاد تحديات في تنويع مصادر دخلها حيث توظف مناجم الألماس بضعة آلاف فقط بينما يعتمد الباقون على سخاء الحكومة الذي ولت أيامه. تعد السياحة التي تركز على رحلات السفاري الفاخرة في دلتا أوكافانجو المصدر الثاني للدخل وتسهم بنحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تتوفر في البلاد احتياطيات هائلة من الفحم لم تجتذب الاستثمارات اللازمة بعد وهناك بعض مناجم النحاس قيد التطوير. هذه التحديات تزيد من تفاقم مشكلة البطالة التي يعاني منها نحو 40 في المائة من السكان الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً مما يضع البلاد في دوامة من الأزمات الاقتصادية التي تتطلب حلولاً مستدامة لتجاوز الاعتماد المفرط على الألماس.