منذ النشأة الأولى.. بريطانيا وتطور دورها كحاضنة لجماعة الإخوان والتنظيم الدولي

ألقت السلطات البريطانية القبض على عدد من الشباب المصريين الذين حاولوا حماية السفارة المصرية في لندن من اعتداءات عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ما سلط الضوء مجدداً على طبيعة العلاقات التاريخية والمعقدة بين السلطات البريطانية والتنظيم الدولي للجماعة. يرى خبراء أن هذه الحادثة تكشف عن عمق التوظيف البريطاني للإخوان كأداة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، وتلقي بظلالها على مدى جدية لندن في تصنيف الجماعة ككيان إرهابي.

العلاقات البريطانية مع جماعة الإخوان: توظيف ودعم مستمر

أكد عمرو فاروق، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، أن واقعة اعتقال الشباب المصريين الذين حاولوا الدفاع عن سفارتهم في لندن، تعكس بوضوح قوة العلاقة بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين وارتباطها الوثيق بالتنظيم الدولي. وشدد فاروق على أن بريطانيا ليست مجرد مقر رئيسي وعاصمة أولى للجماعة وملاذ آمن لقياداتها، بل تحتضن أيضاً عدداً كبيراً من المؤسسات الإعلامية والاقتصادية التابعة للإخوان. وأوضح أن بريطانيا لعبت على مدار تاريخها دور الممول الرئيسي للجماعة منذ عهد حسن البنا وحتى الآن، واستخدمتها كأداة رئيسية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في تبادل للأدوار مع الولايات المتحدة. كما اعتبر أن لندن هي “العقل المدبر” في مشهد الشرق الأوسط الجديد أكثر من واشنطن، خاصة فيما يتعلق بمشروع “إسرائيل الكبرى” وإعادة هيكلة المنطقة.

اقرأ أيضًا: هام للمواطنين.. تعرف على خطوات الاستعلام عن أسماء “تكافل وكرامة” 2025 الجديدة وموعد صرف معاش سبتمبر

بريطانيا: ملاذ آمن وممول رئيسي للإخوان

لفت فاروق إلى أن تحركات الإخوان في الخارج، ومن بينها الأنشطة الموجهة ضد السفارات المصرية، تدخل ضمن أدوات الضغط على القاهرة. وتهدف هذه التحركات إلى التأثير على ملفات حساسة مثل توطين الفلسطينيين في سيناء وتصفية القضية الفلسطينية. كما شدد على أن الجماعة تحظى بحماية كاملة داخل بريطانيا، وتُستخدم لتنفيذ السياسات البريطانية في المنطقة، والسيطرة على الجاليات العربية والإسلامية، بل وفي أعمال تجسس عليها أحياناً. وأشار إلى أن بريطانيا تُعد الملعب الرئيسي لغسيل أموال التنظيم الدولي، والحاضن الأساسي لمؤسساته الاقتصادية بفضل التسهيلات التي تقدمها، ما يجعل الإخوان ورقة مهمة في يد السلطات البريطانية. ورأى أن تحرك السلطات البريطانية ضد الشباب المصريين يهدف إلى صناعة أزمة إعلامية، تُظهر مصر مقصّرة أمام الرأي العام الدولي، وتصدير صورة أنها مسؤولة عن مجاعة غزة وإغلاق المعبر، معتبراً أن هذه الشائعات تُستخدم لتشويه صورة الدولة المصرية.

جذور تاريخية: كيف استخدمت بريطانيا جماعة الإخوان؟

من جانبه، استعرض أحمد بان، الباحث المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي، الجذور التاريخية للعلاقة المتينة بين بريطانيا والإخوان. أوضح بان أن بريطانيا، باعتبارها القوة الاستعمارية التي كانت تسيطر على مصر آنذاك، وجدت في جماعة الإخوان منذ تأسيسها على يد حسن البنا في بدايات القرن العشرين فرصة مناسبة لتوظيفها بما يخدم مصالحها الاستعمارية. سمحت بريطانيا بتمدد الجماعة ووفرت لها مساحة واسعة للتحرك في مصر، وساعدت على انتشار فروعها في مختلف المدن المصرية، ومنحتها كذلك فرصة الظهور والمشاركة في الساحة السياسية على حساب الحركة الوطنية المصرية التي كانت تناضل ضد الاحتلال. وأضاف أن هذه العلاقة لم تنقطع حتى بعد تضييق الخناق على الجماعة داخل مصر، بل عادت بريطانيا لاحتضانها بشكل أوضح بعد خروجها من مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ما سمح لها بممارسة أنشطة سياسية وتنظيمية من الخارج رغم التضييق المستمر من جانب السلطات المصرية وعدد من الدول العربية الأخرى. ولفت بان إلى أن الجماعة وجهت نشاطها الخارجي إلى محاصرة السفارات المصرية في عدد من العواصم الأجنبية، بدلاً من مواجهة إسرائيل، وذلك في وقت كانت تعاني فيه إسرائيل من عزلة متزايدة على الصعيد الدولي بسبب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضًا: خطة تنموية طموحة حتى 2029.. مصر تستهدف نموًا بنسبة 6% بشراكات عالمية ومشروعات عملاقة من رأس الحكمة إلى عواصم المال

دلالات الحادثة: رسائل سياسية وتحركات متوقعة

ختم عمرو فاروق بالتأكيد على أن المشروع الجاري تمريره اليوم بخصوص الشرق الأوسط الجديد هو مشروع بريطاني بالأساس، وأن لندن تتحرك لحماية الجماعة لأنها أداة رئيسية في هذه الخطة. واعتبر أن القبض على الشباب المصريين كان خطوة متوقعة، وأن الدولة المصرية على الأرجح كانت على علم بها، بدليل الإفراج عنهم بعد ساعات قليلة من التدخل المصري، وهو ما جنبهم تلفيق أي تهم قد تستخدم ضد القاهرة. هذه التحركات الأخيرة تعمق الفهم لدور لندن المحوري في دعم جماعة الإخوان المسلمين واستخدامها ورقة ضغط سياسية وإعلامية في سياق الأجندات الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضًا: لأول مرة في جامعة حلوان.. ورشة تدريبية لطلاب الآداب تؤهلهم للاحتراف في التمثيل