ظاهرة مقلقة تضرب القطاع الصحي.. لماذا يفضل شباب الأطباء الاستقالة أو الهجرة من مصر؟

يواجه الأطباء الشباب، وتحديدًا أطباء الامتياز والمقيمين، في المستشفيات المصرية ظروف عمل بالغة الصعوبة تمتد لساعات طويلة تصل إلى ٧٢ ساعة متواصلة دون راحة كافية أو بيئة مناسبة، مما يسبب إرهاقًا بدنيًا ونفسيًا شديدًا. هذه الأوضاع دفعت الكثير منهم للاستقالة أو الهجرة، مما يهدد بجودة الرعاية الصحية ويزيد الضغط على من اختاروا البقاء.

ظروف عمل الأطباء الشباب: سباق منهك مع الزمن

تتحول أيام العمل في المستشفيات المصرية إلى تحدٍ قاسٍ للأطباء الشباب، حيث تمتد المناوبات لساعات غير معقولة، من ٢٤ أو ٤٨ وحتى ٧٢ ساعة متواصلة، غالبًا دون وجود أماكن مخصصة للراحة أو النوم، بحسب ما رصدته “مانشيت”. يجد الطبيب نفسه مضطرًا لفحص عشرات الحالات في وقت ضيق للغاية، وقد يتعرض لاعتداءات لفظية أو جسدية من مرافقين المرضى، بينما يتحمل وحده مسؤولية إيجاد الحلول الطبية.

اقرأ أيضًا: رسميًا.. وزير الإسكان يتابع تغذية محطات مياه الشرب والصرف الصحي بالكهرباء

مطالبات نقابة الأطباء بتحسين بيئة العمل

صرح الدكتور أحمد الشيخ، عضو مجلس نقابة الأطباء ومقرر لجنة الإعلام، لـ”مانشيت” بأن بيئة العمل في المستشفيات الحكومية والتعليمية أصبحت “غير منطقية” تمامًا. وأوضح أن طلب العمل لساعات طويلة تصل إلى ٧٢ ساعة يتطلب تركيزًا ذهنيًا وبدنيًا لا يمكن لأي إنسان تحمله. وأشار إلى أن عبء العمل اليومي أصبح مرهقًا وغير إنساني، فبدلًا من رؤية ١٠ حالات في ساعتين، يجد الطبيب نفسه أمام ٣٠ أو ٤٠ حالة في نفس المدة، مما يؤثر سلبًا على دقة التقييم الطبي وعلى استفادة المريض.

وحدد الدكتور الشيخ عدة مشكلات تواجه الأطباء في عملهم، منها:

اقرأ أيضًا: صحة أذنيك مهمة.. وزارة الصحة توضح خدمات الكشف المبكر عن ضعف السمع

  • نقص بيئة العمل الآمنة والتعرض المتكرر للاعتداءات.
  • نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والأشعة.
  • غياب بعض التخصصات المهمة في عدد من المستشفيات.
  • عدم توفير سكن لائق أو أماكن للنوم أو دورات مياه كافية.

ولفت إلى أن الطبيب غالبًا ما يتحمل مسؤولية توفير العلاج والأجهزة أمام المريض وذويه، وقد يتعرض للمساءلة إذا طلب مستلزمات من خارج المستشفى. وتؤدي ضغوط العمل الشديدة إلى عمل الأطباء لساعات إضافية في القطاع الخاص لزيادة دخلهم، ما يفاقم الإجهاد. وأكد أن ساعات العمل في مصر “كارثية” مقارنة بدول أوروبية أو خليجية، وأن هجرة الأطباء بسبب هذه الظروف تسبب نقصًا حادًا في الكوادر الطبية.

الاحتراق الوظيفي: ضريبة قاسية على صحة الأطباء

تؤكد الدكتورة هبة علي محمد، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن ضغوط العمل الشديدة، أو ما يُعرف بالاحتراق الوظيفي، تدفع الموظفين إلى الاستقالة. ويرجع ذلك إلى استنزاف طاقتهم دون مقابل عادل أو تقدير، بالإضافة إلى غياب التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. وأوضحت أن الاستقالات الجماعية تعني أن الضغط أصبح غير محتمل.

اقرأ أيضًا: مصير غامض.. محمود جاد ينتظر قرار المصري بعد رحلة تونس

وذكرت الدكتورة هبة علي أن ضغط العمل يتسبب في العديد من الأمراض الجسدية والنفسية، ومنها:

  • الإجهاد المزمن واضطرابات القلق والتوتر.
  • نوبات الهلع والاكتئاب وفقدان الشغف.
  • أمراض عضوية مثل مشاكل القلب والأمعاء والمعدة والقولون.
  • اضطرابات النوم والأكل وضعف الجهاز المناعي.

وشددت على ضرورة الانتباه إلى قواعد تنظيم العمل، بما في ذلك تحديد ساعات عمل ثابتة ومعقولة، وتوفير فترات للراحة، وتجنب الانتقادات المستمرة أو التقليل من شأن العمل، لضمان أفضل أداء ممكن. وانتقدت الاعتقاد بأن الضغط يولد أداءً أفضل، مؤكدة أن نتائجه عكسية، خصوصًا في مهنة الطب التي تتطلب بيئة نفسية آمنة ومستقرة.

اقرأ أيضًا: رسميًا.. بدء إنشاء محور الإخلاص بطول 5 كم لتخفيف الضغط المروري عن العروبة وترسا بالجيزة

شهادات حية: “حياتنا تدمرت”

كشفت “مانشيت” عن شهادات أطباء شباب وصفوا بيئة العمل بـ”القاسية” والتي دفعت بعضهم للاستقالة. قال محمد (٢٨ عامًا)، طبيب مقيم بقسم العظام بجامعة أسيوط، إن سنة النيابة الأولى كانت “الأكثر قسوة”، ووصفها بأنها “تدمر حياتك بالكامل” بسبب العمل المتواصل وغياب الراحة وفرص التعلم الحقيقي. وأشار إلى أن النواب الصغار يتحملون العبء الأكبر، وأن قرار تقليل ساعات العمل إلى ١٢ ساعة لم يستمر سوى شهرين، ليعود النظام القديم الذي يصل إلى ٣٢ ساعة متواصلة.

من جانبها، روت الدكتورة هايدي هاني، النائب المستقيل من قسم النساء بجامعة طنطا، أن الوضع كان “لا يطاق” بسبب الإرهاق وعدم التقدير والتزام بالقوانين. وأكدت أن المهام الإدارية كانت على حساب التدريب العملي، وأن المعاملة السيئة وغياب النظام أفقدا المكان كرامته، مما دفعها للاستقالة.

اقرأ أيضًا: قبول جامعي من 55%.. مؤشرات تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للكليات والمعاهد العلمية والأدبية

أما الدكتورة رنين جبر، النائب المستقيل من قسم النساء والتوليد بجامعة طنطا، فروت كيف قيل لهم صراحة “وجودكم مش مرحب به”، وأن المناوبات كانت تصل إلى ٧٢ ساعة متواصلة، مع الاضطرار للنوم على الأرض أو الكراسي لعدم وجود أماكن راحة مخصصة. وأكدت أن مطالبهم البسيطة بتنظيم أوقات العمل وظروف مبيت إنسانية لم تجد استجابة، مما استنزفهم جسديًا ونفسيًا.

نقابة الأطباء تناشد الجهات المعنية

تناشد نقابة الأطباء كافة الجهات المعنية بضرورة مراعاة المعايير المهنية والإنسانية في تشغيل شباب الأطباء. وتؤكد النقابة أن توفير بيئة تدريب آمنة ومحترمة، وساعات عمل عادلة، هو الأساس لإصلاح المنظومة الصحية وتمكينها من أداء دورها بفعالية.

توضيح حول وفاة طبيبة امتياز بجامعة القاهرة

في سياق متصل، نفت جامعة القاهرة الأنباء المتداولة حول وفاة الطبيبة سلمى محمد حبيش، طبيبة الامتياز بكلية طب قصر العيني، نتيجة إرهاق العمل. وأكدت الجامعة في بيان رسمي، بالتواصل مع إدارة مستشفى قصر العيني، أن التقارير الطبية وملابسات الواقعة أثبتت أن سبب الوفاة لم يكن مرتبطًا بالإجهاد أو ضغط العمل. وشددت الجامعة على حرصها على توفير بيئة عمل آمنة وداعمة لجميع منتسبيها، وأن المستشفيات الجامعية تعمل وفق المعايير الطبية والمهنية المتعارف عليها.