أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن “الاقتصاد الأصفر”، المتمثل في قطاع الطاقة الشمسية، يُعد حلاً مبتكرًا لتحقيق التنمية المستدامة ومكافحة التغير المناخي. يساهم هذا القطاع في توفير طاقة نظيفة ومتجددة، ومن المتوقع أن يحتل الصدارة بين مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
مفهوم الاقتصاد الأصفر ودوره
أوضح مركز المعلومات أن استخدام الألوان لوصف الأنشطة الاقتصادية أصبح شائعًا، مثل الاقتصاد الأخضر والأزرق. يبرز “الاقتصاد الأصفر” كأحد هذه المفاهيم، وتعددت وجهات النظر حول تعريفه. يرى بنك سانتاندر الإسباني أنه يدور حول الابتكار لتحقيق استخدام أفضل للموارد وزيادة الإنتاجية.
يعرفه الاتحاد الأوروبي بأنه يصف الأنشطة الاقتصادية في سياق التصحر، حيث يرتبط اللون الأصفر بالرمال والشمس الحارقة التي تميز الحياة الصحراوية. بشكل عام، يرى الاتحاد الأوروبي أن هذا المصطلح يمكن أن يصف التقنيات والعمليات التي تخفف من ظروف الجفاف المستمر أو تلك المتعلقة بالطاقة الشمسية. ويؤكد مركز التدريب الدولي أن “الاقتصاد الأصفر” يشمل نماذج وفرص التنمية الجديدة في الصحراء، مثل استخدام الطاقة المتجددة المرتبطة بالبيئات الصحراوية، كالطاقة الشمسية.
يركز تقرير المركز على الطاقة الشمسية كجزء أساسي من مكونات الاقتصاد الأصفر. تعتبر الطاقة الشمسية من بين الحلول الأكثر كفاءة لتقليل البصمة الاقتصادية والبيئية للطاقة، وأفضل الوسائل لاستغلال البيئات الصحراوية والجافة بفاعلية.
تقنيات الطاقة الشمسية وتأثيرها الاقتصادي
يتناول التقرير آليات توليد الطاقة الشمسية، والتي تعد نموذجًا بارزًا للاقتصاد الأصفر، وتتم عبر طريقتين رئيسيتين. أولاً، الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) التي تستخدم الخلايا الشمسية لتحويل ضوء الشمس مباشرة إلى كهرباء. تعد هذه التقنية واحدة من أسرع تقنيات الطاقة المتجددة نموًا، وقد انخفضت تكلفة تصنيع الألواح الشمسية بشكل كبير في العقد الماضي.
أصبحت الطاقة الشمسية الكهروضوئية ليست ميسورة التكلفة فحسب، بل هي أرخص شكل من أشكال توليد الكهرباء، حيث انخفضت أسعار وحدات الطاقة الشمسية بنسبة تصل إلى 93% بين عامي 2010 و2020. وخلال الفترة نفسها، انخفضت التكلفة المرجحة للكهرباء (LCOE) لمشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية على نطاق المرافق بنسبة 85%.
ثانياً، الطاقة الشمسية المركزة (CSP) التي تستخدم المرايا لتركيز الأشعة الشمسية وتوليد الحرارة، مما ينتج عنه بخار لتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء. تتميز محطات توليد الطاقة الشمسية المركزة بقدرتها على التخزين الحراري باستخدام أملاح منصهرة، مما يسمح بتوليد الكهرباء حتى بعد غروب الشمس. أدى النمو السريع لسوق الطاقة الشمسية وتطور عمليات الإنتاج إلى انخفاض تكلفة تخزين الطاقة الحرارية، لتصل مدة التخزين إلى 12 ساعة، مما يعزز دورها المستقبلي.
بلغ حجم السعة الإجمالية للطاقة الشمسية عالميًا 1418 ألف ميجاوات في عام 2023، مقارنة بـ 103 آلاف ميجاوات في عام 2012، مسجلاً نسبة نمو بلغت نحو 1277%. تركزت السعة الكهربائية الأكبر للطاقة الشمسية في العالم على التكنولوجيا الكهروضوئية، حيث تجاوزت سعتها نظيرتها من التكنولوجيا المركزة بمقدار 1404.1 آلاف ميجاوات في عام 2023.
تلعب الطاقة الشمسية دورًا مهمًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 (SDGs)، من خلال توفير مصادر طاقة نظيفة وموثوقة بأسعار معقولة. تعد حلاً فعالاً لمواجهة تداعيات التغير المناخي، وفي ظل الارتباط القوي بين الطاقة المتجددة النظيفة والتنمية المستدامة، تؤثر الطاقة الشمسية بشكل غير مباشر على الهدفين الأول والثاني المتعلقين بالقضاء على الفقر والجوع.
يؤدي توفر الطاقة بتكلفة منخفضة إلى التنمية المستدامة والتحسين في المناطق الريفية، ويعزز الأنشطة الاقتصادية، ويوفر فرص العمل، ويخفض تكلفة الخدمات. يمكن تركيب الألواح الشمسية على الأراضي الزراعية لتمكين المزارعين من ضخ المياه الجوفية وتحلية المياه للزراعة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه الصالحة، بالإضافة إلى توليد الكهرباء للاستخدام المنزلي في الأرياف.
وفر قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية 7.1 مليون وظيفة في عام 2023، مقارنة بـ 4.9 ملايين وظيفة في عام 2022، بمعدل نمو بلغ 44.9%، وفقًا لإحصائيات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA).
آفاق الطاقة الشمسية العالمية ومستقبلها
انتقلت القدرة العالمية لتصنيع الطاقة الشمسية الكهروضوئية بشكل متزايد من أوروبا واليابان والولايات المتحدة إلى الصين خلال العقد الماضي. استثمرت الصين أكثر من 50 مليار دولار أمريكي في مجال توريد الطاقة الكهروضوئية الجديدة، وهو ما يزيد على عشرة أضعاف الاستثمارات الأوروبية. تراوح نصيب الطاقة الشمسية بنوعيها (الكهروضوئية والمركّزة) بين 44% و62% من إجمالي الاستثمارات العالمية الموجهة إلى الطاقة المتجددة بمختلف مصادرها خلال الفترة من 2013 إلى 2022.
بلغ إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة نحو 3.4 تريليونات دولار خلال الفترة المذكورة، بينما بلغ إجمالي نصيب الطاقة الشمسية بنوعيها نحو 1.8 تريليون دولار. لعبت اعتبارات التكلفة دورًا محوريًا في تحديد جدوى تقنيات الطاقة الشمسية واعتمادها على نطاق واسع. على الرغم من الكفاءة العالية لتقنيات الطاقة الشمسية المركزة، فقد واجهت تحديات في القدرة التنافسية من حيث التكلفة وارتفاع البصمة البيئية مقارنة بالطاقة الشمسية الكهروضوئية.
استحوذت الطاقة الشمسية الكهروضوئية وحدها على النصيب الأكبر من إجمالي الاستثمارات الموجهة للطاقة المتجددة، وذلك بنسبة 6% من إجمالي هذه الاستثمارات في عام 2022. يشير هذا إلى تزايد الاهتمام العالمي باستثمارات الطاقة الشمسية وزيادة الاعتماد عليها كمصدر متجدد للطاقة مقارنة بالمصادر الأخرى.
بلغ معدل النمو في إضافات الطاقة الشمسية الكهروضوئية 350% خلال الفترة من 2016 إلى 2023، حيث ارتفعت من 83.3 جيجاوات/ساعة في عام 2016 إلى 374.9 جيجاوات/ساعة في عام 2023. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تتضاعف هذه الإضافات بحلول عام 2028 لتصل إلى 539.6 جيجاوات/ساعة.
استعرض مركز المعلومات البلدان والمناطق التي أحرزت تقدمًا ملحوظًا في تطوير الطاقة الشمسية الكهروضوئية في عام 2022، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة. تولت الصين الريادة من حيث إضافات القدرة على الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بإضافة 100 جيجاوات في عام 2022 بنسبة ارتفاع بلغت 60% مقارنة بعام 2021. عمل الاتحاد الأوروبي على تسريع نشر الطاقة الشمسية الكهروضوئية استجابة لأزمة الطاقة، بإضافة 38 جيجاوات في عام 2022 بزيادة قدرها 50% مقارنة بعام 2021.
أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية تمويلًا جديدًا للطاقة الشمسية الكهروضوئية في قانون خفض التضخم الذي قدم في عام 2022، مما سيعطي دفعة قوية لقدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتوسيع سلسلة التوريد. قامت الهند بتركيب 18 جيجاوات من أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية خلال عام 2022، مما يمثل زيادة بنسبة 40% مقارنة بالعام السابق. أضافت البرازيل ما يقرب من 11 جيجاوات من قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في عام 2022، مما أدى إلى مضاعفة نموها مقارنة بعام 2021.
تهيمن الشركات الصينية على المراكز العليا في التصنيفات العالمية لمصنعي وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية. بحسب تصنيف شركة (Wood Mackenzie) لعام 2023، جاءت 9 شركات صينية من بين أفضل 12 شركة مصنعة حول العالم، مثل LONGi Green Energy و Jinko Solar. كما أن 8 شركات من بين أعلى 12 شركة لديها اكتفاء ذاتي في صناعة الخلايا الشمسية.
بلغت مساهمة الكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة النظيفة في القدرة الجديدة المضافة إلى نظام الكهرباء في العالم نحو 80% في عام 2023. جاء هذا مدفوعًا بتزايد الاستثمار العالمي في تصنيع الطاقة النظيفة، نتيجة للسياسات الصناعية التي انتهجتها الدول وطلب السوق على الطاقة.
جعل هذا مساهمة الطاقة النظيفة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ 10% في عام 2023، من خلال إضافة نحو 320 مليار دولار أمريكي إلى الاقتصاد العالمي. هذه القيمة تفوق القيمة المضافة لصناعة الطيران العالمية في عام 2023، أو ما يعادل إضافة اقتصاد بحجم دولة التشيك إلى الناتج العالمي.
بلغت مساهمة الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء على مستوى العالم 5.5% في عام 2023، ارتفاعًا من 0.57% في عام 2013. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة بشكل عام ما يقرب من نصف توليد الكهرباء العالمي بحلول عام 2030، مع مضاعفة حصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى 30%.
من المتوقع أن تصبح الطاقة الشمسية الكهروضوئية أكبر مصدر متجدد، متجاوزة طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية التي تعد حاليًا أكبر مصدر لتوليد الطاقة المتجددة. النسبة المتوقعة لمساهمة الطاقة الشمسية في إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة من جميع مصادر الطاقة المتجددة عالميًا تبلغ 16% في عام 2030، مقارنة بـ 5% عام 2023.
توقع الوكالة الدولية للطاقة أن تتوسع إضافات سعة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بنحو 60% في سيناريو السياسات المعلنة (STEPS) بحلول عام 2035. كما تتوقع أن تتضاعف في سيناريو التعهدات المعلنة (APS) وتزيد بمقدار 2.5 ضعف في سيناريو انبعاثات صفرية صافية (NZE).
حتى الماضي القريب، كان التطبيق التجاري الرئيسي لتقنيات الطاقة الشمسية المركزة هو توليد الكهرباء في محطات الطاقة على نطاق المرافق. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أنه في ظل سيناريو يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس (تلبية هدف 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050)، سيحتاج العالم إلى وصول قدرة الطاقة الشمسية المركزة العالمية المركبة إلى 196.7 جيجاوات بحلول عام 2030، و872.6 جيجاوات بحلول عام 2050.
بلغ حجم الاستثمارات التراكمية المطلوبة للتوسع في تقنيات الطاقة الشمسية المركزة خلال الفترة من 2022 حتى 2030 نحو 657 مليار دولار، تليها استثمارات إضافية بقيمة 1.83 تريليون دولار من عام 2030 إلى عام 2050. يتوقع توظيف ما يزيد على 449 ألف فرد بحلول عام 2030، ويزيد إلى 767 ألفًا بحلول عام 2050.
أكد مركز المعلومات في ختام تقريره أن الاقتصاد الأصفر يُعد نموذجًا واعدًا لدعم التنمية المستدامة والمناخ. يركز هذا النموذج على الطاقة الشمسية كأبرز مصادر الطاقة المتجددة استخدامًا حول العالم، وأقلها تكلفة، وأكثرها جذبًا للمنتجين. يسهم تبني تقنياتها بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى تعزيز الابتكار وتوفير فرص عمل جديدة، مما يدعم الاقتصاد المحلي والعالمي.