يكشف النقاب عن سر جديد للنجاح المهني لا يبدأ من ساعات العمل الطويلة، بل من جودة النوم. فقد أكدت عالمة الأنثروبولوجيا ماريون لوغيد من جامعة يورك أن العلاقة بين النوم والعمل عميقة ومتبادلة، مشددة على أن الأداء الوظيفي يعتمد بشكل كبير على أنماط نوم صحية للموظفين.
تشير الدكتورة ماريون لوغيد، عالمة الأنثروبولوجيا من جامعة يورك الأمريكية، إلى أن العلاقة بين النوم والعمل تتجاوز مجرد التأثير أحادي الاتجاه. تؤكد لوغيد أن طريقة نوم الأفراد تتأثر بشدة بالمعايير الثقافية السائدة والمرتبطة بالعمل، موضحة أن الاستقرار الاقتصادي لأي مجتمع يعتمد على وجود أنماط نوم منتظمة لكل من الموظفين والعملاء على حد سواء لضمان سير العمل بكفاءة.
النوم: مورد استراتيجي للنجاح المهني
تعتبر الباحثة النوم محفزاً رئيسياً لتحسين الأداء المهني، حيث يدفع الأفراد إلى السعي نحو جودة نوم أفضل. وصف بعض الخبراء النوم بأنه “مورد استراتيجي” حقيقي لأصحاب العمل، إذ يُعزز من الالتزام الأخلاقي للموظفين ويُحسن بشكل ملحوظ من جودة اتخاذ القرارات اليومية داخل بيئة العمل، مما يدعم استدامة الإنتاجية.
تأثير جودة النوم على الأداء وبيئة العمل
بالإضافة إلى ذلك، تفقد القدرة على التفاعل الفعال داخل بيئة العمل بشكل ملحوظ عندما لا يحصل العمال على قسط كافٍ من النوم. تؤثر أنماط الحياة اليومية، بما في ذلك توقيت ساعات العمل المحددة، بشكل مباشر على جودة النوم ومدته، والعكس صحيح، مما يُبرز الترابط العميق بين الجانبين في تحقيق النجاح المهني.
تُشجع النصائح الشائعة بشكل متزايد على تبني عادات نوم صحية كعامل أساسي من مفاتيح النجاح المهني. هذا الأمر يصبح أكثر أهمية في بيئة اقتصادية تعتمد بشكل كبير على التزام الموظفين بساعات عمل محددة، مما يُسهم بفعالية في مساعدة الشركات على موازنة التكاليف والإيرادات لتحقيق الاستقرار المالي والنمو المستمر.
تستشهد لوغيد في سياق حديثها بما كتبه عالم الأنثروبولوجيا الثقافية ماثيو وولف-ماير. يؤكد وولف-ماير في كتابه “الجماهير النائمة” أن النوم وإيقاعاته الجوهرية تُشكل أساس حياتنا اليومية، وبالمقابل، فإن تنظيمنا ليومنا ونشاطاتنا يعيد تشكيل أنماط نومنا باستمرار، مما يُبرز العلاقة الدائرية بين النوم والروتين الحياتي.
هل يجب أن ينام الجميع بنفس التوقيت؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتوجب على الجميع النوم والاستيقاظ في نفس التوقيت لتحقيق النجاح المهني؟ تجيب الدكتورة لوغيد بأن التنوع الطبيعي في أنماط النوم قد يحمل في طياته فوائد جمة غير متوقعة. هذه النظرة تختلف عن الاعتقاد السائد بضرورة توحيد ساعات النوم لتحقيق أقصى درجات الإنتاجية، وتقدم زاوية جديدة للموضوع.
تدعم لوغيد فكرتها بدراسة ميدانية مهمة أجريت في تنزانيا على مجتمعات الصيد وجمع الثمار. أظهرت نتائج الدراسة أن أفراد هذه المجتمعات لم يناموا جميعاً في الوقت نفسه سوى لمدة 18 دقيقة فقط خلال فترة 20 يوماً متواصلة. يُشير هذا النمط إلى أن وجود شخص واحد مستيقظ باستمرار ضمن المجموعة قد يُحقق فائدة جماعية كبيرة، مثل الحماية أو المراقبة.
تختتم الدكتورة لوغيد حديثها بالدعوة إلى فهم أعمق لهذه العلاقة المتشابكة بين النوم والعمل. تؤكد أن هذا الفهم يُسهم بشكل مباشر في تحسين بيئة العمل وصحة الأفراد على المدى الطويل، مما يتطلب إعادة التفكير الجاد في كيفية تنظيم يومنا لتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء حياة أكثر توازناً ورفاهية للجميع.