اليوم، نحيي الذكرى الـ97 لميلاد إلياس جيمس خوري، الكيميائي اللبناني الأمريكي الحائز على جائزة نوبل. ولد خوري عام 1928، ويُعد أحد أبرز العقول في الكيمياء العضوية، حيث أحدث ثورة في منهجيات التخليق العضوي. ساهمت أفكاره الرائدة في تغيير مسار البحث العلمي والصناعة الكيميائية عالميًا، مما جعله أيقونة علمية.
إلياس خوري: مسيرة حياة وإنجازات مبكرة
وُلد إلياس جيمس خوري في 12 يوليو 1928 بمدينة ماثوين، ماساتشوستس، لأبوين مهاجرين من أصول لبنانية. توفي والده بعد 18 شهرًا من ولادته، فقامت والدته بتغيير اسمه من “ويليام” إلى “إلياس” تخليدًا لذكراه. نشأ خوري في بيئة عائلية كبيرة خلال فترة الكساد الكبير، وتعلم الاعتماد على الذات مبكرًا.
تميز خوري في طفولته بشخصيته المستقلة وحبه للرياضة، مثل البيسبول وكرة القدم. أكمل تعليمه الابتدائي في مدرسة كاثوليكية، ثم انتقل إلى مدرسة لورانس الثانوية بولاية ماساتشوستس. شكلت هذه الفترة أساسًا لشخصيته العلمية المميزة التي ستبرز لاحقًا في مسيرته الأكاديمية والمهنية.
في عمر السادسة عشرة، التحق إلياس خوري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 1948 ثم الدكتوراه في الكيمياء عام 1951. بالرغم من اهتمامه الأولي بالرياضيات، حول مساره نحو الكيمياء بعد أول محاضرة له، مؤكداً شغفه العميق بهذا المجال الحيوي.
انتقل خوري في مسيرته الأكاديمية إلى جامعة إلينوي، حيث أصبح أستاذًا كاملاً للكيمياء عام 1956، وهو في سن السابعة والعشرين فقط. هذا التعيين المبكر أبرز نبوغه العلمي وقدرته الفائقة على القيادة الأكاديمية في مجال تخصصه.
في عام 1959، انتقل إلى جامعة هارفارد، ليصبح أستاذًا للكيمياء العضوية، حيث لا يزال يحتفظ بمنصب أستاذ فخري وفريق بحثي نشط حتى اليوم. اختار خوري الكيمياء العضوية لجمالها وأهميتها البالغة لصحة الإنسان.
“التخليق الرجعي”: ثورة في تصميم المركبات الكيميائية
كان الإنجاز الأبرز لإلياس خوري هو تطوير منهجية “التخليق الرجعي” (Retrosynthetic Analysis)، وهي طريقة ثورية لتصميم الجزيئات العضوية المعقدة. تقوم هذه المنهجية على تحليل الجزيء المستهدف إلى وحدات بناء أبسط، مما يسهل عملية تصنيعه وتخطيطها.
لم تكن هذه المنهجية مجرد أداة أكاديمية، بل تحولت إلى حجر زاوية في الصناعة الكيميائية، وساهمت بتصميم وتصنيع آلاف العقاقير والمواد الحيوية. سمحت أيضًا ببرمجة الحواسيب لتصميم طرق تركيب المركبات بدقة، لتؤسس بذلك لظهور الكيمياء الموجهة بالذكاء الاصطناعي.
جوائز وتكريمات: إرث إلياس خوري العالمي
في عام 1990، نال إلياس خوري جائزة نوبل في الكيمياء تقديرًا لمساهماته الفريدة. أشادت الأكاديمية السويدية به لفتحه آفاقًا جديدة في تصميم التخليق العضوي. لقد جعل منهجه تصنيع المركبات العضوية المعقدة أسهل، مما أفاد الطب والصناعة والبحث العلمي بشكل هائل.
على مدار مسيرته العلمية، حصد إلياس خوري أكثر من 40 جائزة كبرى، مما يعكس تقدير المجتمع العلمي لمجهوداته. من بين هذه الجوائز المرموقة، ميدالية فرانكلين عام 1978، وجائزة وولف في الكيمياء عام 1986، والميدالية الوطنية للعلوم عام 1988.
كما حصل على جائزة اليابان عام 1989، وجائزة اللوحة الذهبية من الأكاديمية الأمريكية للإنجاز عام 1991، ووسام بريستلي عام 2004، وهو أرفع تكريم تمنحه الجمعية الكيميائية الأمريكية. هذه الجوائز تؤكد مكانته كأحد أبرز علماء الكيمياء.
بالإضافة إلى ذلك، تم إدراج إلياس خوري في قاعة الشهرة لجمعية Alpha Chi Sigma عام 1998، تكريمًا لإسهاماته الجليلة في الكيمياء. هذا التكريم يضاف إلى قائمة طويلة من الإنجازات التي رسخت اسمه في سجل العلوم.
حتى عام 2008، حاز خوري على 19 درجة دكتوراه فخرية من جامعات عريقة حول العالم، منها أكسفورد وكامبريدج بالمملكة المتحدة. هذه الدرجات الفخرية تعكس تأثيره الأكاديمي الواسع وإلهامه لآلاف الطلاب والباحثين في جميع أنحاء العالم.
تخليدًا لإرثه، افتُتح معهد إلياس جيمس خوري للأبحاث الطبية الحيوية (CIBR) في الصين عام 2013. هذا المعهد يواصل مسيرة خوري في البحث العلمي، ويؤكد الأثر العميق والدائم لأعماله على الأجيال القادمة من الكيميائيين والعلماء.