سجلت الولايات المتحدة قفزة تاريخية في إيراداتها الجمركية، متجاوزة 100 مليار دولار للمرة الأولى على الإطلاق خلال العام المالي الجاري. تعكس هذه الزيادة غير المسبوقة السياسة الجمركية المشددة التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بهدف تعزيز الإيرادات وتقليص العجز التجاري للبلاد.
أظهر البيان الشهري الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية أن الإيرادات الجمركية لشهر يونيو وحده بلغت نحو 27 مليار دولار. بذلك، ارتفعت الإيرادات التراكمية منذ بداية العام المالي إلى 113 مليار دولار، مما يؤكد نموًا قويًا في الإيرادات مدفوعًا بالرسوم المفروضة على الواردات من دول وقطاعات متعددة.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت البيانات عن ارتفاع إجمالي الإيرادات الحكومية خلال يونيو بنحو 13% مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي. سجلت الميزانية الفيدرالية فائضًا قدره 27 مليار دولار في يونيو الجاري، وهو تحول كبير مقارنة بعجز بلغ 71 مليار دولار في يونيو من العام الماضي.
مع ذلك، لا يزال العجز التراكمي للميزانية الفيدرالية كبيرًا، حيث وصل إلى 1.34 تريليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي. ورغم ضخامة هذا الرقم، تم تقليص العجز بنسبة 1% بعد تعديل الفروقات الزمنية للمقارنة مع العام الماضي، مما يشير إلى بعض التحسن.
الرسوم الجمركية تعزز إيرادات الخزانة
جاءت هذه القفزة في الإيرادات الجمركية نتيجة مباشرة للقرارات التي اتخذتها إدارة ترامب بفرض رسوم مرتفعة على واردات متعددة وشركاء تجاريين رئيسيين. تعتبر هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى دعم الصناعات المحلية ومعالجة الاختلالات في الميزان التجاري للولايات المتحدة. اعتبرت الإدارة هذه الرسوم أداة ضغط فعالة في مفاوضاتها التجارية الدولية.
تبقى مستويات هذه الإيرادات مرهونة بالتغييرات المستمرة في السياسة الجمركية الأمريكية، حيث جرى تعليق أو تعديل بعض الرسوم على فترات مختلفة بناءً على تطورات المحادثات التجارية. على سبيل المثال، خُفِّضت الرسوم على البضائع الصينية من مستويات مرتفعة تجاوزت 145% بعد اتفاق مبدئي بين واشنطن وبكين، مع استمرارها عند معدلات أعلى بكثير مقارنة بالسنوات السابقة.
استراتيجية ترامب: حماية الصناعة وتوازن التجارة
في مؤشر على استمرار سياسة التصعيد التجاري، أرسل ترامب مؤخرًا رسالة إلى رئيس الوزراء الكندي يبلغه فيها بأن بعض المنتجات الكندية ستخضع لرسوم جمركية بنسبة 35% بدءًا من الأول من أغسطس المقبل. جاء ذلك بعد أيام قليلة فقط من فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الصادرات البرازيلية و25% على واردات من اليابان، مما يؤكد نهجًا حازمًا في التعاملات التجارية.
أكد ترامب في مناسبات سابقة أن إدارته تظل منفتحة على التفاوض مع الشركاء التجاريين لتحقيق مصالح الولايات المتحدة العليا. وصف الرئيس الأمريكي سياسته التجارية بأنها “مرنة لكنها حازمة”، مما يعكس رغبة في تحقيق نتائج إيجابية عبر الضغط الدبلوماسي والاقتصادي المتزامن.
آفاق مستقبلية وتحديات اقتصادية
من جانبها، صرح مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا بأن الوزارة تتوقع جمع “أكثر بكثير” من 300 مليار دولار من الإيرادات الجمركية بحلول نهاية العام الحالي. تعتمد هذه التوقعات على استمرار تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة واتساع قاعدة الواردات الخاضعة للتعرفة المرتفعة، مما يعزز التوقعات بتحقيق أرقام قياسية جديدة.
في ظل هذه التطورات، يرى محللون أن الإيرادات الجمركية قد تشكل رافعة مؤقتة لدعم الميزانية الأمريكية وتقليل العجز. لكنها تبقى رهينة التغيرات السياسية المحتملة وردود الأفعال العالمية على سياسة الرسوم المرتفعة، وسط قلق متزايد لدى بعض القطاعات الاقتصادية من تأثير هذه السياسة على سلاسل التوريد العالمية وأسعار المستهلكين محليًا.