براعة.. نتنياهو يعيد صياغة كارثة سياسية إلى انتصار يضمن له البقاء في السلطة

كشف تقرير صحفي حصري، صادر عن صحيفة “نيويورك تايمز”، تفاصيل خطة سرية كانت تهدف الى انهاء الحرب في قطاع غزة بعد ستة اشهر من اندلاعها. هذه المبادرة، التي قادها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، اصطدمت بحسابات سياسية داخلية معقدة، ما ادى الى اجهاضها وابقاء الصراع مشتعلا، وذلك رغم الاثار الكارثية على المدنيين والمنطقة.

خطة نتنياهو لتهدئة الاوضاع

في محاولة لاحتواء الحرب، ارسل بنيامين نتنياهو مبعوثا خاصا الى الوسطاء المصريين، حاملا معه رؤية اسرائيلية جديدة لانهاء الصراع. تضمنت الخطة المقترحة وقفا مؤقتا لاطلاق النار لمدة لا تقل عن ستة اسابيع، مع فرصة سانحة للتفاوض على هدنة دائمة. وكان من المتوقع ان يتم اطلاق سراح اكثر من ثلاثين رهينة خلال الاسابيع التي تلي الاتفاق، بالاضافة الى وقف العمليات العسكرية التي كانت تؤثر بشكل مباشر على حياة مليوني فلسطيني يعيشون تحت وطاة الحصار والقصف. لقد سعى نتنياهو لطرح هذا الاقتراح بشكل مفاجئ داخل حكومته لمنع اي تنسيق مسبق من الوزراء المعارضين.

حواجز سياسية تطيح بالسلام

هذه الخطوة، رغم اهميتها الانسانية والاستراتيجية، كانت تحمل مخاطر سياسية جسيمة لرئيس الوزراء الاسرائيلي. حكومته تعتمد بشكل كبير على دعم وزراء اليمين المتطرف، الذين يعارضون بشدة اي انسحاب من غزة ويدفعون باتجاه احتلالها واعادة بناء المستوطنات فيها. اي وقف مبكر للحرب كان سيعني انهيار الائتلاف الحاكم واجراء انتخابات مبكرة، تشير الاستطلاعات الى ان نتنياهو سيخسرها. كما ان خروجه من السلطة كان سيضعفه سياسيا وقضائيا، لا سيما مع استمرار محاكمته بتهم فساد منذ عام الفين وعشرين.

اقرأ أيضًا: بطريقة مضمونة 100%..شحن شدات ببجي موبايل PUBG Mobile بدون حظر عبر ID

في اجتماع حاسم بوزارة الدفاع في تل ابيب، تدخل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو احد ابرز المدافعين عن حركة الاستيطان، ليعلن بشكل قاطع ان اي اتفاق هدنة سيؤدي الى سقوط الحكومة. وجد نتنياهو نفسه امام مفترق طرق: اما انهاء الحرب او البقاء في السلطة. اختار الاخير، واقسم لسموتريتش بعدم وجود خطة كهذه، طالبا من مستشاريه الامنيين عدم عرضها مطلقا.

نتائج كارثية ومكاسب شخصية

استمرت الحرب في غزة، مخلفة دمارا هائلا ووفاة اكثر من خمسة وخمسين الف شخص، مع معاناة انسانية غير مسبوقة وتشريد ملايين الفلسطينيين. وبينما حظيت اسرائيل في البداية بتعاطف عالمي بعد هجوم السابع من اكتوبر، تحول هذا التعاطف الى عزلة متزايدة، وتزايدت الاتهامات بارتكاب ابادة جماعية امام محكمة العدل الدولية. داخليا، زادت الحرب من الانقسامات السياسية والاجتماعية، وتصاعدت الخلافات حول مصير نتنياهو السياسي.

خلاصات محورية من التقرير

توصل معدو التقرير الاستقصائي الى ثلاث استنتاجات رئيسية، بناء على مقابلات مع مسؤولين من اسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، ومراجعة وثائق حكومية وتقييمات استخباراتية:

اقرأ أيضًا: جديد.. شاومي تكشف عن Pad 7S Pro جهاز لوحي احترافي بمعالج خاص وشحن فائق

  • ان سياسات نتنياهو قبل الحرب ساعدت حركة حماس على العمل بحرية نسبية، مما مكنها من التحضير سريا للهجوم.
  • ادت اصلاحات نتنياهو القضائية الى اضعاف الجيش والمجتمع الاسرائيلي، وزادت من الانقسامات الداخلية، ما شجع حماس على شن الهجوم.
  • كانت قرارات نتنياهو خلال الحرب متاثرة بشكل اكبر بالاعتبارات السياسية والشخصية منه بالاعتبارات الامنية.

كمثال على ذلك، تم تجاهل توصيات الجيش بوقف القتال في ابريل ويوليو من عام الفين واربعة وعشرين. كذلك، تمسك نتنياهو بخطط عسكرية غير ذات اولوية مثل دخول رفح، بهدف تعطيل اي هدنة. وعندما تم التوصل الى هدنة في يناير من عام الفين وخمسة وعشرين، تم خرقها في مارس للحفاظ على الائتلاف الحاكم.

ادى كل ذلك الى نتائج وخيمة. فقد قتل مئات الفلسطينيين اسبوعيا، وتوفي ثمانية رهائن على الاقل بسبب التاخير في المفاوضات. كما تاجلت صفقة التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وتعرضت صورة اسرائيل الدولية لضربة كبيرة، وطلب مدع عام في المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.

صعود نتنياهو السياسي

رغم هذه التداعيات الكارثية، حقق نتنياهو مكاسب سياسية ضخمة. لقد عزز سلطته بشكل لم يسبق له مثيل، ومنع اجراء تحقيق رسمي في اخفاقات السابع من اكتوبر، واستهدف النائب العام الذي يقاضيه. استمرار الحرب اتاحه له ايضا فرصة لشن هجوم على ايران، والاهم من ذلك، الحفاظ على بقائه في الحكم.

قال احد مستشاريه المقربين: “لقد حقق نتنياهو عودة سياسية لم يتوقعها احد، حتى اقرب حلفائه. قيادته خلال الحرب، وضربته الجريئة لايران، اعادت تشكيل الخريطة السياسية، وهو الان في موقع قوي للفوز بالانتخابات القادمة.”

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *