يصادف اليوم ذكرى ميلاد المخرج الكبير مصطفى العقاد، الذي أثرى السينما بفيلمين خالدين هما “الرسالة” و”عمر المختار”. سعى العقاد لتغيير الصورة النمطية للإسلام في الغرب، قبل أن يلقى حتفه مأساوياً على يد جماعات متطرفة. قضى العقاد سنواته الأخيرة باحثًا عن تمويل لفيلم يحكي قصة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشروع العمر الذي لم يكتمل.
مسيرة العقاد: رسالة السينما لتصحيح الصورة
كان مصطفى العقاد يهدف من خلال أعماله السينمائية إلى بناء جسر للتواصل والتفاهم بين الإسلام والحضارة الغربية. ذكر العقاد في حوار فني يعود لعام 1976 أن شعوره بالمسؤولية وواجبه الديني كمسلم يعيش في الغرب دفعه لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام للعالم. هذا الإيمان العميق كان المحرك الأساسي وراء مشاريعه الفنية الكبرى.
واجه العقاد تحديًا كبيرًا في تأمين التمويل اللازم لإنتاج فيلم “الرسالة”، لكن العقبة سرعان ما ذللت بدعم كبير من الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. هذا الدعم مكّن العقاد من إنتاج عمل فني ضخم يضاهي في جودته وتقنياته أضخم إنتاجات هوليوود في تلك الحقبة الزمنية. لقد أراد العقاد لفيلمه أن يكون معلماً في تاريخ السينما العربية.
تحديات “الرسالة”: إبداع بدون ظهور النبي
بدأ العقاد تصوير فيلم “الرسالة” أواخر عام 1974، وأنجز نسختين متزامنتين لضمان وصول رسالته لأكبر شريحة من الجمهور العالمي. النسخة العربية ضمت نخبة من ألمع نجوم السينما العربية والإسلامية، من بينهم الفنان القدير عبد الله غيث والفنانة السورية منى واصف. كانت هذه النسخة موجهة بالأساس للجمهور الناطق باللغة العربية.
بالإضافة إلى ذلك، قام العقاد بإنتاج نسخة إنجليزية من الفيلم بنفس جودة الإنتاج، وشارك فيها نجوم عالميون لضمان انتشار أوسع. النجم أنتوني كوين قام ببطولة النسخة الإنجليزية مجسدًا شخصية “حمزة” عم الرسول، فيما أدت الممثلة آيرين باباس دور “هند” المرأة المكية التي عارضت الرسول ثم أسلمت لاحقًا. هذه الثنائية أظهرت قدرة العقاد على إدارة المشاريع الكبيرة.
التحدي الأكبر والرئيسي الذي واجهه العقاد أثناء تصوير فيلم “الرسالة” كان متعلقًا بالضوابط الشرعية في الإسلام التي تحرم أي تصوير مرئي لشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك، حرص العقاد على ألا تظهر الشخصية الرئيسية للرسول في أحداث الفيلم على الإطلاق. لم يتمكن المشاهد من رؤية النبي في الفيلم، ولا حتى ظله، في قرار فني جريء ومحترم للثوابت الدينية.
إرث الراحل: أحلام لم تتحقق ونهاية مأساوية
ولد المخرج والمنتج مصطفى العقاد عام 1930 في مدينة حلب بسوريا، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الإخراج والإنتاج السينمائي. اكتسب العقاد خبرة واسعة في هوليوود، وشارك في إعداد مجموعة من أفلام سلسلة “الهالويين”، مما صقل موهبته وأضاف إلى رصيده الفني قبل أن يتجه لإخراج أعماله الكبرى.
في التاسع من نوفمبر عام 2005، قُتل مصطفى العقاد وابنته ريما، التي كانت تبلغ من العمر 30 عامًا، ضمن ضحايا التفجير الإرهابي الذي استهدف فندق “جراند حياة” بالعاصمة الأردنية عمّان. كان العقاد قد حضر إلى عمّان لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء، ووقع الانفجار لحظة وجوده في بهو الفندق لاستقبال ابنته القادمة من السفر.
توفيت ابنته ريما في الحال جراء الانفجار المروع، بينما توفي هو بعد يومين متأثرًا بجراحه البليغة التي أصابته في ذلك الحادث الإرهابي. ترك العقاد خلفه إرثًا سينمائيًا ثمينًا متمثلاً في فيلمي “عمر المختار” و”الرسالة”، بالإضافة إلى أحلام كبيرة لم تتحقق، أبرزها فيلمه عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.