كشفت تقارير إعلامية أن Perplexity، الشركة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التي لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، باتت محط أنظار عمالقة التكنولوجيا مثل آبل وميتا. تعكس هذه الخطوة احتدام المنافسة على الهيمنة في قطاع الذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطورات متسارعة، على الرغم من التحديات القانونية التي تواجهها المنصة.
Perplexity: محرك بحث ذكي يثير اهتمام الكبار
تعد Perplexity محرك بحث متطور يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويستخدم نماذج لغوية متقدمة لتحليل محتوى الإنترنت وتقديم إجابات موجزة ومدعومة بمصادر موثوقة. تأسست الشركة في أغسطس 2022، وأطلقت أول نسخة من محركها البحثي في ديسمبر من العام نفسه، لتقدم تجربة بحث مختلفة ومبتكرة للمستخدمين في كل مكان.
توفر المنصة وضعين للبحث: الأول “بحث سريع” للاستفسارات البسيطة والعاجلة، والثاني “بحث احترافي” يقدم نتائج أكثر تفصيلاً ومعالجة معمقة للمعلومات. يقتصر الوضع الاحترافي في النسخة المجانية على ثلاث عمليات بحث يوميًا، مما يدفع المستخدمين للاشتراك للحصول على مزايا متكاملة واستفادة قصوى من قدرات المنصة.
بالإضافة إلى ذلك، تتيح Perplexity خدمات أخرى متنوعة، تشمل الإجابة على أسئلة تتعلق بملفات المستخدمين، والمساعدة في تخطيط الرحلات، وإعداد قوائم التشغيل، وإنشاء الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما تقدم المنصة صفحات محتوى منسقة بدقة حسب اهتمامات المستخدمين، على غرار ما يقدمه تطبيق ChatGPT الرائد في مجال الدردشة الذكية، مما يعزز تجربتهم الشخصية.
تتوافر معظم هذه الميزات المتقدمة ضمن اشتراك شهري بقيمة 20 دولارًا، يمنح المستخدمين وصولاً غير محدود إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة، وقدرة غير مقيدة على تحميل الملفات، وإنشاء الصور المتنوعة. تعمل Perplexity أيضًا بشكل مستمر على تطوير متصفح ويب جديد يحمل اسم Comet، بهدف تقديم تجربة بحث وتصفح متكاملة ومبتكرة تعتمد بالكامل على الذكاء الاصطناعي.
لماذا تتسابق آبل وميتا على الاستحواذ؟
يعتقد المحللون أن الاستحواذ المحتمل على Perplexity قد يخدم استراتيجيات كل من آبل وميتا في توسيع حضورهما وتأكيد هيمنتهما في مجال الذكاء الاصطناعي المتنامي. تواجه الشركتان ضغوطًا لتسريع وتيرة تطويرهما في هذا القطاع، خصوصًا وأنهما تعتبران متأخرتين مقارنة بمنافسين أقوياء مثل جوجل وOpenAI.
بالنسبة لشركة آبل، يمكن أن يكون الاستحواذ على Perplexity دعمًا قويًا لدمج ميزات البحث الذكي داخل متصفح “سفاري” الخاص بها، مما يعزز قدراته التنافسية. يأتي هذا في ظل الشكوك القانونية التي تحيط باتفاقها مع جوجل لجعل الأخير محرك البحث الافتراضي على أجهزتها، وهو اتفاق تقدر قيمته بمليارات الدولارات ويثير الكثير من التساؤلات حول الاحتكار.
لقد أعلنت آبل مؤخرًا عن تحديثات مهمة لأدوات الذكاء الاصطناعي في أجهزتها، إلا أنها لا تزال متأخرة في إطلاق نسخة معززة من مساعدها الصوتي “سيري”، على الرغم من الإعلان عنها منذ أكثر من عام. يمكن لـ Perplexity أن توفر لآبل قفزة نوعية في تكنولوجيا البحث المدعوم بالذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات سيري ودمجها بعمق في نظامها البيئي.
أما شركة ميتا، المالكة لفيسبوك وإنستجرام، فتسعى بشكل محموم إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال الحيوي الذي يشكل مستقبل التكنولوجيا. لقد عرضت ميتا حزم توظيف مغرية تصل قيمتها إلى 100 مليون دولار لبعض الكفاءات البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، لتجذب أفضل المواهب.
استثمرت ميتا مؤخرًا في شركة “Scale AI” الناشئة، التي تعد رائدة في مساعدة الشركات على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وعينت مؤسسها ألكسندر وانج ضمن صفوفها القيادية. ورغم النجاحات التي حققتها ميتا في بعض المشاريع مثل نظارات Ray-Ban المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ونماذج Llama المستخدمة على نطاق واسع، إلا أنها تواجه تحديات أخرى مثل تأجيل إطلاق نموذجها المتقدم الجديد، ومخاوف الخصوصية في تطبيقها الجديد للدردشة الذكية.
تحديات الذكاء الاصطناعي ومستقبل السباق
رغم النجاح النسبي الذي حققته Perplexity واهتمام عمالقة التكنولوجيا بها، إلا أنها لا تزال تواجه منافسة شرسة للغاية في سوق الذكاء الاصطناعي سريع التطور. يبرز تطبيق ChatGPT كأكبر منافس لها، حيث استحوذ على 45% من إجمالي تحميلات تطبيقات الدردشة الذكية في الربع الثالث من عام 2024، بحسب بيانات شركة “Sensor Tower”، بينما أدرجت Perplexity ضمن فئة أخرى من التطبيقات الأقل انتشارًا.
كما واجهت الشركة اتهامات جدية بانتهاك حقوق المحتوى، مما يمثل تحديًا قانونيًا كبيرًا يهدد استقرارها ونموها المستقبلي. هددت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، باتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد Perplexity بزعم استخدام محتواها دون الحصول على إذن مسبق، مما يفتح بابًا لسلسلة من الدعاوى القضائية التي قد تؤثر على عمليات الشركة.
وفي العام الماضي، رفعت كل من “داو جونز” – الشركة المالكة لصحيفة “وول ستريت جورنال” العريقة و”نيويورك بوست” – دعاوى قضائية ضد Perplexity لذات السبب، وهو استخدام محتواها الصحفي دون ترخيص مناسب. تبرز هذه القضايا الحاجة الملحة إلى إطار قانوني واضح ينظم استخدام المحتوى بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي، ويحمي حقوق الملكية الفكرية للمبدعين والناشرين.
يرى مراقبون أن الذكاء الاصطناعي يمثل القفزة الكبرى التالية بعد ظهور الإنترنت وتطور الهواتف الذكية، وهما مجالان لعبت فيهما آبل وميتا أدوارًا ريادية غيرت وجه العالم. ومع التطورات المتسارعة في هذا القطاع الحيوي، يبدو أن مستقبل الشركتين، وقدرتهما على الحفاظ على مكانتهما في الصدارة، بات مرهونًا بمدى قدرتهما على الابتكار والمنافسة بفاعلية في هذا المضمار الجديد، الذي سيعيد تشكيل طريقة عمل الناس وتواصلهم وبحثهم عن المعلومات بشكل جذري.