مدن الدول الاعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون تسرع خطاها نحو مستقبل حضري اكثر ذكاء وشمولا ومرونة. تلك الجهود الطموحة تعتمد بشكل متزايد على قوة العلوم والتقنية لدفع عجلة التنمية. وفي قلب هذا التحول، تبرز تجربة الصين كنموذج ملهم ومحرك رئيسي لهذا المسعى المشترك، وفق ما اكدته شخصيات رسمية وخبراء خلال حوار معمق عقد مؤخرا.
الصين: محرك رئيسي للتطور الحضري
من جانبها، ابدت الكسندرا فورونوفا، المستشارة البارزة في مركز موسكو للتعاون الدولي، اعجابها الشديد بالتحول السريع للمدن الصينية في تبني التقدم التكنولوجي والابتكار. فقد اكدت فورونوفا، التي زارت الصين مرتين، ان العمق المحتمل للشراكات بين موسكو والمناطق الصينية على مستوى المقاطعات يحمل فوائد متبادلة كبيرة، ويخدم المصالح الاستراتيجية طويلة الاجل لكافة الاطراف.
اشارت المسؤولة الروسية الى ان الصين تقف في صدارة التقدم العالمي في ميادين حيوية، مثل تطوير شبكات السكك الحديدية عالية السرعة، والازدهار الملحوظ لاقتصاد المشاركة، فضلا عن التوسع غير المسبوق للتجارة الالكترونية. وافادت بان العاصمة الروسية تتابع عن كثب التطورات الجارية في المدن الصينية في مجالات النقل والرعاية الصحية والبناء الحضري، مؤكدة توقيع موسكو اتفاقيات تعاون متعددة مع مدن صينية. هذا الاهتمام يتجسد في الزيارات المتكررة لخبراء روس الى الصين للاطلاع على افضل الممارسات في التخطيط الحضري والابتكار.
توسيع افق التعاون: من الحكومات الى المدن
على صعيد متصل، شدد ادوارد ادواردوفيتش بوليتايف، رئيس مؤسسة عالم اوراسيا العامة، على ان التعاون ضمن منظمة شنغهاي للتعاون يتجاوز مجرد القنوات الحكومية، ليشمل تفاعلا ديناميكيا ومهما بين المدن. واوضح ان المدن الكبرى كانت ولا تزال مراكز حيوية للنشاط الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن كونها بؤرا للتبادل الثقافي ومحركات قوية للاندماج الاقليمي.
واستشهد بوليتايف بشراكات ناجحة بين مدن مثل شيان في مقاطعة شنشي او اورومتشي في منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم ونظيراتها في اسيا الوسطى، كنموذج لكيفية تحقيق المنفعة المتبادلة على مستويات عدة. كما نوه بالتاثير التحولي للرقمنة في بناء المدن الذكية، مؤكدا انها ساهمت في تحسين جودة الحياة اليومية للمواطنين. واكد ان مبادرة الحزام والطريق الصينية لا تستهدف فقط الدول، بل تمتد لتشمل المدن ايضا، مما يجعل مدن منظمة شنغهاي للتعاون محركات رئيسية للتعاون الاقتصادي المستقبلي.
تنمية حضرية مستدامة ومراعية للبيئة
من جانبه، اكد شيراديل باكتيغولوف، مدير معهد دراسة السياسات العالمية في قيرغيزستان، على ضرورة تحقيق توازن متكامل بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمسؤولية البيئية، وذلك كركيزة اساسية لتحقيق التنمية المستدامة. وبعد زيارته لميناء تيانجين للتكنولوجيا العالية وبنيته التحتية الذكية، اشاد بالمدينة كنموذج استثنائي للكفاءة والتنمية الخضراء والسلامة، واصفا اياها بالخيار الامثل لاستضافة القمة الخامسة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون.
ولفت باكتيغولوف الانظار الى القيمة المتزايدة لتوسيع التعاون الافقي بين المدن والمناطق والدول. داعيا الى تطوير مشترك للمعايير وتبادل التكنولوجيا والتعلم المتبادل، بهدف تعزيز التقدم الشامل لكافة الاطراف. وفي هذا السياق، اوضح تشانغ تشين، نائب مدير معهد بحوث الصناعة والتخطيط في الاكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كيف تدمج الصين مبادئ منخفضة الكربون وصديقة للبيئة في صميم عمليات تطوير المدن الذكية.
اشار تشين الى الاستخدام المبتكر للطاقة المتجددة في تيانجين، بما في ذلك الالواح الشمسية المثبتة على المقاعد في الحدائق واعمده الانارة، فضلا عن تطوير المدينة لمنصة رقمية متكاملة. هذه المنصة تجمع بين البيانات الضخمة والحوسبة السحابية وانترنت الاشياء والذكاء الاصطناعي، لادارة تجديد المناطق الحضرية بشكل مستدام طوال دورة حياتها. واختتم تشانغ بالتاكيد على استعداد الصين للعمل مع مدن منظمة شنغهاي للتعاون لتعميق الشراكة في مجال المدن الذكية، وتعزيز نقل التكنولوجيا وتبادل المواهب والمشاريع المشتركة، ضمانا لوصول فوائد الرقمنة الى عدد اكبر من الناس.
تعزيز الترابط الاقليمي ودور اسيا الوسطى
وفي سياق متصل، شدد شيرزود فايزيف، نائب مدير المعهد الدولي لاسيا الوسطى في اوزبكستان، على ان تحول اسيا الوسطى الى منطقة اكثر ترابطا وديناميكية وانفتاحا، اصبح قوة دافعة رئيسية في ترسيخ منظمة شنغهاي وتوسيع نطاقها. واشار الى الامكانات الهائلة للتعاون على المستويين الاقليمي والحضري بين دول اسيا الوسطى والصين، وكذلك مع بقية اعضاء المنظمة، مما يبشر بمستقبل مشرق من التكامل والتطور المشترك.