الكائنات البحرية الدقيقة المعروفة بالزوبلانكتون، مثل الكريل والكوبيبودات، تحمل دورًا محوريًا وغير متوقع في مكافحة التغير المناخي. تساهم هذه الكائنات في احتجاز ملايين الأطنان من الكربون في أعماق المحيط، مما يمنعه من الوصول إلى الغلاف الجوي لعقود طويلة. لكن، بالرغم من أهميتها، تواجه الزوبلانكتون تهديدات متزايدة بسبب ارتفاع حرارة المحيطات والصيد الجائر.
كيف يساهم الزوبلانكتون في مكافحة تغير المناخ؟
الزوبلانكتون هي كائنات بحرية دقيقة تعيش في أعماق المحيطات الشاسعة. خلال فصلي الربيع والصيف، تهاجر هذه الكائنات نحو سطح المحيط لتتغذى على الفيتوبلانكتون، وهي نباتات مجهرية تعتمد على ضوء الشمس لإنتاج الطاقة عبر عملية التمثيل الضوئي. هذا السلوك الحيوي يمثل جزءًا أساسيًا من السلسلة الغذائية البحرية وينشط دورة الكربون الطبيعية.
آلية احتجاز الكربون: رحلة الزوبلانكتون في المحيط
بعد استهلاك هذه النباتات المجهرية الغنية بالطاقة، تبدأ الزوبلانكتون رحلة هجرة طويلة نحو المياه الباردة والعميقة المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا). هناك، تدخل هذه الكائنات في فترة سبات شتوي، حيث تعيش على الدهون التي خزنتها. خلال هذه الفترة، تطلق الزوبلانكتون غاز ثاني أكسيد الكربون عميقًا تحت سطح المحيط.
ينتج عن هذا السلوك البيولوجي تأثير بيئي بالغ الأهمية على كوكب الأرض. يتم احتجاز الكربون الناتج على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر، مما يمنعه من العودة إلى الغلاف الجوي لعقود طويلة، وقد يمتد هذا الاحتجاز لقرون. هذه العملية تساهم بشكل فعال في تخفيف تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وتبطئ من وتيرة الاحترار العالمي.
يؤكد خبراء البيئة البحرية أهمية هذا الدور، حيث يوضح البروفيسور أنغوس أتكينسون من “مختبر بليموث البحري” أن غياب هذه الآلية الحيوية قد يؤدي إلى تضاعف مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عما هي عليه اليوم. هذه الشهادة تبرز مدى حيوية الزوبلانكتون في تنظيم مناخ الأرض ودورها المحوري في المحيطات.
وتشير دراسة دولية حديثة، استندت إليها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إلى أن الزوبلانكتون يساهم في نقل ما يقدر بنحو 65 مليون طن من الكربون سنويًا إلى أعماق المحيط الجنوبي. هذا الرقم الهائل يعادل الانبعاثات الكربونية لعام كامل من تشغيل 55 مليون سيارة ديزل حول العالم، مما يظهر حجم تأثيرها البيئي الكبير.
تهديدات تواجه كائنات المحيط الدقيقة ودورها البيئي
رغم هذا الدور الحيوي في مكافحة التغير المناخي، تجد الزوبلانكتون نفسها مهددة بشكل مباشر بسبب الظواهر المناخية المتسارعة. يؤدي ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات، واضطراب الطبقات المائية، وزيادة الأحداث المناخية العنيفة، إلى التأثير سلبًا على بيئتها الطبيعية ودورات حياتها. هذه التغيرات تشكل خطرًا حقيقيًا على بقائها وفعاليتها البيئية.
بالإضافة إلى التغير المناخي، تواجه الزوبلانكتون، وخاصة الكريل، تهديدًا كبيرًا من الصيد التجاري المكثف. تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن كميات ضخمة من الكريل تُصطاد سنويًا، حيث وصل حجم المصيد إلى حوالي 500,000 طن في عام 2020 وحده. هذا الصيد المفرط يخل بالتوازن البيئي في المحيطات ويهدد أعدادها الحيوية الضرورية.
تفتح هذه الدراسة آفاقًا جديدة لفهم الدور البيولوجي الخفي الذي تلعبه الكائنات المجهرية في تنظيم مناخ كوكبنا. هذه الحقائق توجه الأنظار بقوة نحو الضرورة الملحة لحماية النظم البيئية البحرية من التأثيرات البشرية المدمرة. الحفاظ على الزوبلانكتون يعني حماية جزء أساسي من دفاعات الأرض الطبيعية ضد التغير المناخي وضرورة العمل الجماعي لحماية هذه الكائنات الحيوية.