تتصدر شركة نيسان موتور العالمية الأنباء مؤخرًا بسبب أزمة مالية حادة تهدد استمراريتها وتطاردها بشبح الإفلاس. سجلت الشركة اليابانية خسائر غير مسبوقة خلال العام المالي الأخير، مما دفعها لإجراءات تقشفية قاسية تشمل إغلاق مصانع وتسريح آلاف العمال في محاولة لاستعادة مكانتها عالميًا.
نيسان: خسائر تاريخية وإجراءات إنقاذ قاسية
سجلت شركة نيسان موتور صافي خسارة بلغ 670.9 مليار ين، أي ما يعادل 4.5 مليار دولار أمريكي، خلال العام المالي الذي انتهى في مارس الماضي. يمثل هذا الرقم خسارة ضخمة هي الأكبر للشركة منذ ما يقارب ربع قرن، مما يعكس حجم التحديات التي تواجهها عملاق صناعة السيارات اليابانية حاليًا.
أعلنت شركة السيارات اليابانية عن خطط طموحة لإعادة الهيكلة، تشمل إغلاق سبعة مصانع بحلول السنة المالية 2027، وتسريح ما يقارب 20 ألف عامل. تهدف هذه الخطوات الجذرية إلى خفض الطاقة الإنتاجية السنوية من 3.5 مليون وحدة في العام الماضي إلى 2.5 مليون وحدة، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 28.6% تقريبًا.
تحديات نيسان المتراكمة: من أزمة غصن إلى التحول الكهربائي
شهدت نيسان أزمة كبرى في عام 1999 عندما سجلت أكبر صافي خسارة سنوية في تاريخها بلغت 684.4 مليار ين، بعد تحالفها مع رينو. قاد المدير التنفيذي السابق كارلوس غصن، الذي عينته رينو، خطة إنعاش شاملة لنيسان في أبريل 2001. قام غصن بخفض تكاليف المشتريات وأغلق المصانع وألغى 21 ألف وظيفة، واستثمر المدخرات في تطوير 22 طرازًا جديدًا خلال ثلاث سنوات فقط، ما أخرج الشركة من ورطتها آنذاك.
تصاعدت الأزمات في نوفمبر 2018 بإلقاء القبض على كارلوس غصن في اليابان، حيث كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة نيسان. وجهت إليه تهم بالفساد المالي وعدم الإبلاغ عن راتبه، وهي اتهامات نفاها غصن الذي فر إلى لبنان في ديسمبر 2019. انتهت هذه الأزمة بإقالته ورفع نيسان دعوى قضائية تطالبه فيها بتعويض قدره 95 مليون دولار.
عانت صانعة السيارات اليابانية بشكل كبير من تداعيات قضية غصن، التي أدت إلى انهيار تحالفها الثلاثي مع رينو وميتسوبيشي، وتبعها عملية إعادة هيكلة مالية. مولت الشركة هذه العملية عبر بيع كامل حصتها في شركة دايملر الألمانية، على غرار ما فعلته رينو، مقابل 1.4 مليار دولار، في محاولة لتعزيز سيولتها النقدية.
تأثرت نيسان أيضًا بشكل مباشر بالحرب في أوكرانيا، مما دفعها للانسحاب الكامل من السوق الروسية. علقت الشركة عمل مصنعها في سانت بطرسبرغ وتكبدت خسارة قدرها 687 مليون دولار في أكتوبر 2022، عندما آلت أسهم وحدة التصنيع المحلية إلى المعهد الروسي لأبحاث السيارات مقابل يورو واحد فقط.
فقدت نيسان قدرتها التنافسية في سوق السيارات الكهربائية سريعة التطور، رغم أنها كانت السباقة في طرح أول سيارة كهربائية بالكامل تنتج بكميات كبيرة عالميًا، وهي نيسان ليف. لم تتمكن الشركة من مواكبة هيمنة تويوتا والمنافسة الشرسة من تسلا والشركات الأوروبية، بالإضافة إلى تفضيل المستهلكين للعلامات التجارية المحلية في الصين، التي تعد أكبر سوق للمركبات الكهربائية عالميًا.
تفاقمت مشاكل نيسان بسبب تراجع مبيعاتها بشكل ملحوظ، إذ اعتمدت الشركة على طرازات قديمة فقدت جاذبيتها لدى العملاء. بدأت المخاوف من تعثر نيسان تظهر بوضوح في نوفمبر الماضي، مع الإعلان عن انخفاض صافي الدخل بنسبة 94% خلال النصف الأول من العام المالي، وخطط تسريح 9 آلاف موظف، وتقليص الطاقة الإنتاجية 20%.
تأثرت نيسان أيضًا بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على السيارات المستوردة، مما أجبرها على وقف بيع طرازين من سيارات الدفع الرباعي إنفينيتي المجمعة في المكسيك داخل السوق الأمريكية. حذرت الشركة في أواخر أبريل الماضي من تسجيل خسائر بقيمة 5.3 مليار دولار خلال السنة المالية المنتهية في مارس الماضي، في ظل تزايد أعباء إعادة الهيكلة.
مساعي نيسان للخروج من النفق المظلم: شراكات وإعادة هيكلة
فشلت مساعي نيسان في إبرام شراكات جديدة بعدما نجح تحالفها مع رينو في إنقاذها من الإفلاس قبل نحو 25 عامًا. ورغم ارتفاع سهم نيسان المتعثر بنحو 24% في ديسمبر 2024 إثر أنباء عن اندماج محتمل مع هوندا، أُعلن رسميًا عن فشل المفاوضات في فبراير الماضي، والتي كانت ستفضي إلى إنشاء إحدى أكبر شركات السيارات في العالم.
اتفقت رينو ونيسان في المقابل على خفض حصة الملكية المتبادلة من 15% إلى 10%، وذلك في إطار تفكيك تحالفهما طويل الأمد بشكل كبير. هذا الاتفاق أعفى نيسان من التزام سابق بالاستثمار في مشروع أمبير (Ampere) للسيارات الكهربائية، مما يمنحها مرونة أكبر في إدارة استثماراتها المستقبلية.
بعد انهيار مفاوضات الاندماج مع هوندا، كشفت بلومبرغ عن عدد من الشركات التي تدرس الاستثمار في نيسان، مثل كيه كيه آر آند كو، وهون هاي بريسيشن إندستري، المنتجة لآيفون التايوانية. لكن حتى الآن، لم تُبرم أي صفقات فعلية، ولا تزال صانعة السيارات اليابانية المتعثرة تبحث عن شراكات جديدة لتعزيز موقفها المالي والتنافسي.
شرعت نيسان في عملية إعادة هيكلة واسعة النطاق، حيث عينت إيفان سبينوزا رئيسًا تنفيذيًا جديدًا خلفًا لماكوتو أوشيدا في مطلع أبريل، إثر فشل المفاوضات مع هوندا. كما تولى غيوم كارتييه منصب رئيس الأداء التنفيذي، وإيتشي أكاشي المسؤول التنفيذي الأول عن التكنولوجيا، وتيجي هيراتا مسؤولية التصنيع وإدارة سلاسل التوريد.
تعهدت نيسان باستثمار 1.4 مليار دولار إضافية في الصين، وذلك على هامش معرض شنغهاي للسيارات في أبريل الماضي. أشارت الشركة إلى أن سوق السيارات المحلية، التي تحتدم فيها المنافسة، تشكل فرصة مثلى لمساعدتها في تطوير المركبات الكهربائية وتوسيع حصتها في هذا القطاع الحيوي.
تخطط نيسان لإغلاق مصنعين في اليابان، بالإضافة إلى منشآت أخرى في المكسيك والهند والأرجنتين وجنوب أفريقيا، في إطار عملية إعادة الهيكلة الشاملة وخفض التكاليف. وعلى الرغم من تقارير صحيفة يوميوري اليابانية بهذا الشأن، أشارت نيسان في بيان رسمي إلى أن هذه المعلومات مجرد تكهنات لا تستند إلى بيانات رسمية صادرة عن الشركة.
امتنعت نيسان عن إصدار توقعات للأرباح التشغيلية للعام المالي الذي سينتهي في مارس 2026، مما يعكس حالة عدم اليقين بشأن أدائها المستقبلي. تهدف إجراءات إغلاق المصانع السبعة وتقليص العمالة بنسبة 15% إلى خفض التكاليف بمقدار 500 مليار ين، أي ما يعادل 3.43 مليار دولار، في محاولة يائسة لتحقيق الاستقرار المالي.
أكد إيفان سبينوزا، الرئيس التنفيذي الجديد لنيسان، خلال مؤتمر مستقبل السيارات في لندن، أن وضع سيولة الشركة جيد حاليًا، لكنه شدد على ضرورة التحرك بسرعة والاعتماد على الذات في الفترة الحالية. أشار سبينوزا إلى أن تحسن السيولة سيعزز من وضع الشركة في أي مفاوضات مستقبلية تتعلق بالشراكات المحتملة.
أضاف سبينوزا أن توسيع نطاق الشراكة الممتدة منذ عقدين بين نيسان ودونغ فنغ موتور غروب، الشركة الصينية المملوكة للدولة، والتعاون بين الشركتين خارج الصين يعد أحد الخيارات المطروحة. في الوقت نفسه، ستواصل نيسان البحث عن شراكات جديدة لتعزيز قدرتها التنافسية وتحقيق النمو المستدام.
على الرغم من عدم وجود خطط حالية لإغلاق مصنع نيسان في سندرلاند بالمملكة المتحدة، أكد سبينوزا أن على الشركات التزام نهج عملي، وامتنع عن تقديم أي ضمانات مطلقة بشأن مستقبل المصنع، مشددًا على أن القرارات ستتخذ بناءً على الظروف الاقتصادية والتشغيلية المستقبلية.