مخرج للأزمة.. بعد حريق سنترال رمسيس الحوسبة السحابية على طاولة البحث لإنقاذ الاتصالات

عقب حادث حريق سنترال رمسيس المدوي الذي وقع في يوليو تموز 2025، والذي تسبب في شلل واسع النطاق لخدمات الاتصالات والانترنت في اجزاء كبيرة من القاهرة الكبرى وعدة محافظات، تصدر النقاش حول ضرورة تبني حلول تكنولوجية اكثر مرونة واستدامة. هذا الحدث المفاجئ لم يكن مجرد عطل فني عابر، بل كشف عن هشاشة الاعتماد على البنية التحتية التقليدية، ودفع خبراء التكنولوجيا الى التساؤل: هل باتت الحوسبة السحابية هي الملاذ الاستراتيجي والحل الامثل لضمان استمرارية الخدمات الرقمية الحيوية في مصر؟ الخبر يلقي الضوء على الابعاد الكاملة لهذه التقنية ودورها المحوري في مواجهة الازمات.

الحوسبة السحابية: مفهومها ودورها الاستراتيجي

في ظل التطور المتسارع للمشهد التقني العالمي خلال العقد الاخير، برزت الحوسبة السحابية كنموذج استراتيجي جديد يغير قواعد اللعبة في عالم تكنولوجيا المعلومات. لم تعد المؤسسات، سواء كانت عملاقة او ناشئة، بحاجة الى تكبد استثمارات ضخمة في امتلاك وادارة الخوادم المحلية وانظمة التخزين التقليدية. بدلا من ذلك، تقدم الحلول السحابية منظومة متكاملة من الخدمات التي تشمل البنية التحتية الاساسية، والمنصات البرمجية المتطورة، والتطبيقات الجاهزة للتشغيل الفوري.

ووفقا لما اوضحته منصة هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، تتميز هذه التقنية الحديثة بقدرتها الفائقة على توفير حماية غير مسبوقة للبيانات من شتى انواع الكوارث، سواء كانت طبيعية او اعطال فنية مفاجئة. فالبيانات تظل امنة ومتاحة في السحابة الالكترونية، بمعزل عن اي مشكلات قد تواجه الاجهزة المحلية المستخدمة، مثل الحواسيب او الهواتف الذكية او الخوادم التقليدية، مما يعزز مرونة الاعمال واستمراريتها.

اقرأ أيضًا: الآن .. سيارات مستعملة بحالة جيدة للبيع في السعودية

يعتمد نموذج الحوسبة السحابية على توفير وصول فوري وعند الطلب الى موارد حاسوبية مشتركة. هذه الموارد تشمل شبكات اتصال سريعة، وانظمة تخزين ضخمة، وخوادم افتراضية متقدمة، بالاضافة الى منصات برمجية متكاملة. وما يميز هذه التقنية حقا هو القدرة على توسيع او تقليص هذه الموارد بشكل فوري وتلقائي، مع الحد الادنى من التدخل البشري. هذا يوفر وقت وجهد كبيرين مقارنة بالانظمة التقليدية التي تتطلب اجراءات معقدة. المنظومة السحابية تعمل وفق خمس خصائص جوهرية وثلاثة نماذج رئيسية لتقديم الخدمة واربعة انماط للنشر، مما يمنح الشركات مرونة استثنائية في ادارة مواردها الرقمية.

تجارب واقعية: الحوسبة السحابية في عين الازمة

من جانب اخر، اوضح المهندس هيثم علي، وهو خبير بارز في امن المعلومات، ان حادث حريق سنترال رمسيس شكل “اختبار حقيقي ومحك لكفاءة الشبكات الوطنية في مصر”. واكد المهندس علي على الاهمية القصوى للاستثمار المستمر في تطوير البنية التحتية الرقمية المتطورة، مشددا بشكل خاص على ضرورة انشاء وتوسيع مراكز الحوسبة السحابية ومراكز البيانات المتقدمة، وربطها بالعاصمة الادارية الجديدة لضمان اعلى مستويات الامان والمرونة.

اضاف الخبير في تصريحات صحفية ان الانظمة السحابية اثبتت فاعلية استثنائية ولعبت دور محوري في الحفاظ على استمرارية الخدمات الرقمية خلال الازمة التي نجمت عن الحريق. ويعود الفضل في ذلك الى الية توزيع البيانات والتطبيقات عبر مواقع جغرافية متعددة ومتباعدة، وهو ما يضمن تجاوز اي اعطال قد تحدث في موقع محدد. واشار الى ان المؤسسات والجهات التي كانت تعتمد على الحلول السحابية تمكنت من استعادة انظمتها وبياناتها بشكل سريع بعد الحادث، مع تقليل فترات التوقف الى ادنى حد ممكن، وذلك بفضل اليات النسخ الاحتياطي التلقائي وتوزيع الاحمال بذكاء بين الخوادم المتعددة.

اقرأ أيضًا: طمأنة عاجلة.. القومي للاتصالات يؤكد عودة خدمات كثيرة بكفاءة وسنترال رمسيس ليس المركز الوحيد

مصر والحوسبة السحابية: رؤية استراتيجية للتحول

في سياق متصل، كشفت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن اقرار الحكومة المصرية لسياسة “الحوسبة السحابية اولا”. هذه السياسة جرى اعدادها بعناية فائقة لتتوافق مع ارقى المعايير الدولية في مجالات خصوصية البيانات والامان الرقمي. وتاتي هذه الخطوة كجزء لا يتجزا من التطبيق العملي للاستراتيجية الوطنية للحوسبة السحابية، التي كانت قد اطلقت في عام 2014، وتهدف الى ترسيخ مكانة مصر كمركز اقليمي رائد في مجال مراكز البيانات وخدمات السحابة.

تهدف هذه السياسة الطموحة الى تعزيز البيئة الاستثمارية في قطاع التكنولوجيا المصري، ومن المتوقع ان تسهم بشكل كبير في جذب استثمارات ضخمة وجديدة من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات وخدمات البيانات. هذا من شانه ان يدعم مكانة مصر كوجهة جاذبة ورئيسية للاستثمار التكنولوجي في المنطقة. ومن ابرز فوائد تطبيق الحوسبة السحابية على النطاق الوطني: تخفيض تكاليف البنية التحتية المادية، وتمكين المؤسسات من اتمام عملية التحول الرقمي في وقت قياسي، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين بشكل ملموس، ودعم التكامل مع التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وانترنت الاشياء، واخيرا، تحويل نمط الانفاق من شراء الاجهزة الباهظة الى الاشتراك في الخدمات السحابية المرنة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *