تعيش مصر حاليا حدثا تاريخيا جديدا يضاف الى سجلها الطويل من تحديات قطاع الاتصالات، حيث ياتي حريق سنترال رمسيس الاخير في يوليو 2025 ليذكر البلاد بسلسلة من الازمات المماثلة التي اثرت بعمق على الحياة اليومية والاقتصاد منذ عام 2008. هذا الحدث الذي تسبب في تعطل كبير للخدمات يبرز مجددا اهمية البنية التحتية للاتصالات وضرورة استدامتها في مواجهة مختلف الظروف الطارئة. هذا التقرير الحصري يستعرض تاريخ هذه التحديات وكيف تطور القطاع في مصر لمواجهتها.
نشاة وتطور قطاع الاتصالات في مصر
يعود تاريخ قطاع الاتصالات في مصر الى منتصف القرن التاسع عشر، اذ شهد عام 1854 تدشين اول خط تلغراف يربط مدينتي القاهرة والاسكندرية، ليضع بذلك اول حجر اساس للاتصالات الحديثة في البلاد. لم تمض سوى عقود قليلة حتى دخلت مصر عصر الهاتف، مع تركيب اول خط هاتفي بين نفس المدينتين عام 1881، وذلك بعد خمسة اعوام فقط من اختراعه عالميا، مما يؤكد سعي مصر المبكر لتبني احدث التقنيات.
مع اطلالة الالفية الجديدة، وتحديدا في سبتمبر 1999، انطلقت المبادرة الحكومية للمشروع القومي للنهضة التكنولوجية، الذي شكل نقلة نوعية في نظرة الدولة الى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. لقد استهدف هذا المشروع الطموح تعزيز البنية التحتية الرقمية ودعم الصناعات التكنولوجية من خلال تنفيذ مجموعة متكاملة من المبادرات والبرامج.
في عام 2001، بزغت فكرة “القرية الذكية” كصرح تكنولوجي ضخم يمتد على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع غرب العاصمة المصرية. صممت هذه القرية لتصبح مركزا اقليميا يجمع تحت مظلته كبرى الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالاضافة الى الهيئات الحكومية ذات الصلة. وبحلول عام 2014، استقطبت القرية اكثر من 160 شركة ووفرت فرص عمل لنحو 40 الف موظف، مع توقعات بزيادة هذا العدد الى 100 الف.
شهد عام 1883 توسعا ملحوظا في شبكة الهاتف الثابت، حيث امتدت الخطوط لتصل الى مدن القناة الرئيسية: بورسعيد والاسماعيلية والسويس. واستمر هذا التوسع بوتيرة ثابتة عبر العقود، حتى بلغ عدد مشتركي خدمة الهاتف الثابت التي تقدمها الشركة المصرية للاتصالات 11 مليونا و 280 الف مشترك بحسب احصاءات عام 2010، مع سعة سنترالات بلغت 14 مليونا و 426 الف و 597 خطا.
دخلت مصر عصر الاتصالات المتنقلة عام 1996، مع اطلاق اول خدمة هاتف محمول بنظام GSM. تطور هذا القطاع سريعا ليشمل اربع شركات رئيسية اسهمت في تشكيل المشهد الاتصالي المصري:
- اورنج مصر (موبينيل سابقا): التي بدات عملها في مارس 1998 كجزء من المجموعة الفرنسية.
- فودافون مصر: التي كانت تعرف باسم “كليك GSM” حتى عام 2001.
- اتصالات مصر: التي دخلت السوق في مايو 2007، وكانت اول مشغل لخدمات الجيل الثالث، بعد فوزها بالرخصة الثالثة بقيمة 16.7 مليار جنيه مصري في يوليو 2006.
- المصرية للاتصالات: التي حصلت على الرخصة الرابعة في سبتمبر 2017، لتصبح بذلك اول مشغل متكامل في السوق المصري.
ابرز ازمات انقطاع الانترنت في مصر
شهدت مصر عبر تاريخها المعاصر سلسلة من ازمات انقطاع الانترنت التي تركت اثارا واضحة على مختلف جوانب الحياة اليومية والاقتصادية.
انقطاع الانترنت خلال ثورة يناير 2011
تعد هذه الازمة واحدة من ابرز واشهر حوادث انقطاع الانترنت في تاريخ مصر الحديث. ففي اواخر يناير 2011، ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية، قامت الحكومة انذاك بقطع شبه كامل لخدمات الاتصالات، بما في ذلك الانترنت، من قبل المشغلين الرئيسيين: فودافون وموبينيل واتصالات، ودون اشعار مسبق. وقد اوضحت الشركات لاحقا ان هذا الاغلاق المفاجئ جاء بناء على اوامر السلطات المختصة، وفقا للعقود المبرمة بينها وبين الحكومة.
تحديات الكابلات البحرية المتكررة
تمثل مصر نقطة عبور حيوية للعديد من الكابلات البحرية التي تربط قارات اوروبا واسيا وافريقيا. على مر السنوات، شهدت مصر تطورا ملحوظا في اليات التعامل مع انقطاعات هذه الكابلات. تعتمد البنية التحتية المصرية على ثلاثة كابلات بحرية رئيسية، هي: كابل FLAG، وكابل SMW4، وكابل SMW3 وهو الاقدم ويحمل اتصالات صوتية ايضا. لقد شهدت البلاد انقطاعات متكررة في هذه الكابلات بسبب حوادث مختلفة.
ففي عام 2008، تعرضت مصر والعديد من دول الشرق الاوسط وجنوب اسيا لانقطاع كبير في خدمة الانترنت نتيجة اعطال في كابلين بحريين رئيسيين هما “سي ام وي فور” و”فلاج”، مما ادى الى تعطيل خدمات الانترنت بنسب متفاوتة وتاثر شركات تقديم الخدمات ومراكز الاتصال بشكل كبير. وفي ديسمبر 2010، اعلنت وزارة الاتصالات عن عطل مفاجئ في الكابل البحري SMW3 الذي يربط الشواطئ المصرية بوحدة التفريع الاولى في البحر الابيض المتوسط. لم يكشف عن السبب الدقيق انذاك، الا ان التوقعات الاولية اشارت الى سوء الاحوال الجوية كعامل رئيسي. وفي عام 2013، تعطل كابل SMW4 الرابط بين مصر وايطاليا، مما ادى الى تاثر الاتصالات في دول الخليج والهند وجنوب شرق اسيا.
خلل الاتصال في ديسمبر 2023
افادت الشركة المصرية للاتصالات في ديسمبر 2023 بحدوث عطل فني ادى الى تعطيل خدمات الانترنت في عدد من المناطق بمصر. اوضحت الشركة حينها ان المشكلة نتجت عن خلل في احد الاجهزة الرئيسية لشبكة الاتصالات لديها، مما استدعى تدخلات سريعة لاعادة الخدمة.
تداعيات حريق سنترال رمسيس يوليو 2025
مثل حريق سنترال رمسيس التاريخي بوسط القاهرة في يوليو 2025 حدثا محوريا، اذ يعد هذا السنترال احد اهم مراكز الاتصالات في البلاد. لقد تسبب الحريق في تعطل ملحوظ لخدمات الانترنت والاتصالات في مناطق واسعة من القاهرة الكبرى ومحافظات اخرى. لم يقتصر التاثير على الاتصال العادي، بل امتد ليشمل قطاعات حيوية مثل الخدمات البنكية والدفع الالكتروني وتداولات البورصة، بالاضافة الى صعوبة في اجراء المكالمات بين الشبكات المختلفة. وقد اكدت السلطات المصرية ووزارة الاتصالات حينها ان الخدمة ستعود تدريجيا خلال اربع وعشرين ساعة، مشددة على ان مصر لا تعتمد على سنترال واحد فقط في بنيتها التحتية للاتصالات.
اسباب رئيسية لانقطاع خدمات الاتصالات
يتعدد اسباب انقطاع الانترنت وخدمات الاتصالات عموما بين عوامل تقنية وبيئية وربما امنية. ان فهم هذه الاسباب وكيفية التعامل معها يعد امرا حاسما لضمان استمرارية الخدمة. وتتراوح هذه الاسباب فيما يلي:
- اعطال المعدات: قد يتعطل جهاز التوجيه او المودم بسبب تلف الاجهزة او انتهاء عمرها الافتراضي، مما يتطلب اعادة تشغيلها او استبدالها.
- الطقس السيء: العواصف والامطار الشديدة والرياح القوية قد تتسبب في تلف الكابلات او تعطيل اشارات الشبكة، خاصة في المناطق المعرضة لظروف جوية قاسية.
- تلف الكابلات: قد تنقطع كابلات الانترنت بسبب اعمال الحفر او الحوادث او التاكل الطبيعي، مما يؤدي الى انقطاع الخدمة في مناطق معينة.
- الازدحام الشبكي: عند زيادة عدد المستخدمين في وقت واحد، مثل ساعات الذروة، قد تصبح الشبكة بطيئة او تنقطع بسبب ضغط الزيادة على السعة الترددية المتاحة.
- الهجمات الالكترونية: التعرض لاختراقات او هجمات الكترونية قد يعطل خدمات الانترنت، سواء عبر تعطيل البنية التحتية او اختراق انظمة مزود الخدمة، مما يهدد استقرار الاتصالات.