أهدى مهرجان الأراجوز المصري دورته الرابعة للطفلة الفلسطينية هند رجب وأطفال غزة، تكريمًا لشجاعتهم وتضامنًا معهم. تضمنت فعاليات المهرجان ندوة “التراث مقاومة” التي استعرضت دور الموسيقى والسير الشعبية في تعزيز الصمود، وعرضًا مسرحيًا للأطفال يرسخ قيم العدالة. يعكس المهرجان رسالة قوية بأن التراث الشعبي طاقة متجددة للمقاومة والتعبير.
إهداء مؤثر لأطفال غزة
كرّم مهرجان الأراجوز المصري، في دورته الرابعة برئاسة الدكتور نبيل بهجت، الطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب وجميع أطفال غزة. جاء هذا الإهداء كبادرة إنسانية مؤثرة، تعبيرًا عن التضامن مع شجاعة الأطفال الأبرياء ومعاناتهم في مواجهة الظلم. تؤكد هذه اللفتة على دور الفن في التعبير عن القضايا الإنسانية العادلة.
ظلت الطفلة هند رجب على اتصال بطواقم الهلال الأحمر حتى لحظة استشهادها، بعد إصابتها بـ 355 رصاصة، في مشهد يعكس قسوة الإبادة الجارية. يهدف هذا التكريم إلى تخليد ذكراها وتحفيز ضمير العالم للتحرك في مواجهة الصمت الذي يخيم على ما يجري، وليكون المهرجان منصة لرفع الصوت عاليًا تضامنًا مع الطفولة.
ندوة “التراث مقاومة” ودور الفن الشعبي
شهد المهرجان ندوة مهمة بعنوان “التراث مقاومة”، شارك فيها نخبة من المتخصصين. قدم الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون، ورقة بحثية مميزة سلطت الضوء على دور الأغنية والموسيقى الشعبية في لحظات الصراع والنضال الوطني. أكد شبانة أن الموسيقى المصرية، وخاصة الشعبية، كانت دومًا جزءًا أصيلًا من مسيرة نضال الشعب.
استعرض الدكتور شبانة خلال مداخلته أدوار فرق غنائية بارزة مثل “أولاد الأرض” و”شباب النصر”، إضافة إلى أغانٍ خالدة محفورة في الوجدان المصري مثل “يا بيوت السويس” و”خلي السلاح صاحي” و”بسم الله الله أكبر”. شدد على أن الغناء كان بمثابة سلاح معنوي قوي وحقيقي، يعزز الروح القتالية في معركة الكرامة الوطنية.
شارك في الندوة أيضًا الدكتور محمد شحاتة العمدة، الباحث المتخصص في الأدب الشعبي، حيث تناول في مداخلته دور السير الشعبية في تعزيز روح المقاومة الجماعية. أوضح العمدة أن المجتمعات، خلال أزمنة الظلم والاستعمار، خلقت أبطالًا رمزيين يتغلبون بهم على واقعهم القاسي، مثل الأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس وعلي الزيبق. أكد أن هذه السير تمثل مخزونًا رمزيًا يحفّز الإرادة الجماعية على الصمود والمقاومة.
عروض مسرحية وأراجوز لترسيخ الوعي
بعد انتهاء الندوة، قدمت فرقة ومضة العرض المسرحي الفرجوي “الديك الهادر الغادر”. هذا العمل، تأليف الكاتب الفلسطيني غنام غنام وإخراج نبيل بهجت، موجه للأطفال ويستند إلى حكاية شعبية ساخرة تروي قصة ديك مخادع. يصور العرض الديك وهو يستغل طيبة أهل قرية “بيت الطين” ويسيطر عليهم بالحيلة والكذب، في إسقاط ذكي على المستعمر.
يظهر الديك في المسرحية بمظهر ضعيف وصوت أجش، وعاجزًا عن نطق حرف “الحاء”، لكنه يتمكن من تفتيت وحدة القرية وسرقة خيراتها. يتدخل الراوي والأطفال في النهاية لفضح حقيقته وكشف مكره وكذبه. يغرس هذا العرض المسرحي في الأطفال وعيًا مبكرًا بخطورة السكوت عن الظلم، ويشجعهم على قول الحقيقة والمقاومة والدفاع عن الحق والعدل واتخاذ موقف جماعي للدفاع عن أنفسهم ومجتمعهم.
اختتمت الأمسية بعدد من عروض الأراجوز التقليدية، التي أضفت بهجة خاصة على الأجواء وجذبت جمهورًا متنوعًا من الأطفال والكبار. شهدت العروض تفاعلًا كبيرًا من الحضور، مما يؤكد على استمرارية هذا الفن العريق وقدرته على التواصل مع الأجيال. يرسخ المهرجان رسالة قوية بأن التراث الشعبي ليس مجرد ماضٍ يُروى، بل هو طاقة مقاومة متجددة تسكن وجدان الشعب وتُعبّر عنه في مواجهة القهر، سواء بالسخرية، أو الغناء، أو الحكاية.