في قصة ملهمة من قرية الصلعا بمحافظة سوهاج، أتمت السيدة آمنة أحمد، 55 عاماً وكفيفة منذ صغرها، حفظ القرآن الكريم كاملاً تجويداً وترتيلاً خلال ثماني سنوات. ضربت آمنة أروع الأمثلة في الصبر والمثابرة، وتستعد الآن لتعليم كتاب الله للأجيال الجديدة، محققة حلمها رغم فقدان البصر.
رحلة استثنائية لحفظ القرآن
بدأت السيدة آمنة أحمد، التي فقدت بصرها في الثانية من عمرها ولم تحظَ بفرصة للتعليم أو القراءة والكتابة، رحلتها المباركة في حفظ كتاب الله. اتخذت قرار البدء في حفظ القرآن الكريم قبل سنوات، مدفوعة بإيمان راسخ وعزيمة لا تلين. كانت تستمع باستمرار إلى أصوات كبار المشايخ كالشيوخ محمد صديق المنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد والحصري، وهو ما ساعدها كثيراً في تثبيت الحفظ.
بالإضافة إلى الاستماع، اعتمدت السيدة آمنة بشكل أساسي على محفظتها في مدرسة القرآن الكريم بالصلعا. كانت محفظتها تقرأ لها الآيات وتكررها معها مراراً وتكراراً حتى تتمكن آمنة من حفظها غيباً، مع مراعاة أحكام التجويد والترتيل. استمرت هذه العملية الدؤوبة لمدة ثماني سنوات كاملة، تكللت بحفظ كتاب الله كاملاً.
إرادة لا تعرف المستحيل
كانت السيدة آمنة تقطن بمفردها بعد وفاة والديها، ورغم معاناتها وفقدانها البصر، لم تثبط عزيمتها قط. كانت تمشي يومياً بخطوات ثابتة من منزلها البعيد إلى مدرسة القرآن الكريم في أول القرية، قاطعة المسافة ثلاث مرات أسبوعياً دون كلل أو ملل. لم تشعر الحاجة آمنة بغصة واحدة في سعيها لتحقيق حلمها، رغم صعوبة معيشتها واعتمادها على نفسها في جميع أعمال المنزل.
خلال رحلتها المباركة، حصدت الحاجة آمنة العديد من شهادات التقدير والتكريم المتواصل من مدرسة القرآن الكريم. كانت هذه التكريمات بمثابة حافز إضافي لها لمواصلة مسيرتها وإتمام حفظ أجزاء القرآن بأحكامه، مما منحها شعوراً عميقاً بالسعادة واللذة المعنوية مع كل جزء تتمكن من حفظه.
من طالبة إلى مُحفظة: عطاء مستمر
بعد أن أتمت السيدة آمنة حفظ القرآن الكريم كاملاً تجويداً وترتيلاً، غمرتها سعادة وفرحة عظيمتان عوضتها عن فقدان نور بصرها. لقد أنار الله بصيرتها بنور كتابه الكريم، وأصبحت الآن مستعدة لخوض مرحلة جديدة ومهمة في حياتها. يجري تدريبها حالياً على إدارة حلقات القرآن الكريم وتكليفها لتصبح محفظة رسمية في مدرسة القرآن بالصلعا.
سوف تبدأ الحاجة آمنة في تحفيظ الأطفال والفتيات كتاب الله في نفس المدرسة التي شهدت رحلتها الملهمة. شعور العطاء ونشر نور القرآن يمنحها سعادة غامرة، وهي لا تتمنى من الدنيا شيئاً سوى أن يمن الله عليها بقضاء فريضة العمرة، لتكتمل بذلك رحلة كفاحها الروحية والتعليمية.