كشفت دراسة أمريكية حديثة أن معالجة مشاكل السمع مبكرًا قد تؤخر الإصابة بالخرف لسنوات عديدة. يُعد هذا الاكتشاف بارقة أمل لملايين كبار السن حول العالم، حيث يسلط الضوء على دور السمع في صحة الدماغ ويوفر نهجًا وقائيًا جديدًا لمواجهة هذا المرض المعقد.
ضعف السمع والخرف: علاقة وثيقة
أجرى باحثون من جامعة جونز هوبكنز دراسة متابعة شملت نحو 3000 شخص مسن، بمتوسط عمر 75 عامًا، لتقييم العلاقة بين السمع والخرف. توصلت الدراسة إلى نتائج هامة نُشرت في مجلة JAMA Otolaryngology، مؤكدة الارتباط القوي بين الحالتين. وجد الباحثون أن ما يقارب ثلث حالات الخرف يمكن أن تُعزى بشكل مباشر إلى فقدان السمع المشخص طبيًا.
أظهرت نتائج الدراسة أن 32% من حالات الخرف، التي تم رصدها خلال فترة متابعة بلغت 8 سنوات، كانت مرتبطة بأشخاص يعانون من فقدان السمع المثبت. هذا يشير إلى أن ضعف السمع ليس مجرد مشكلة سمعية، بل قد يكون مؤشرًا رئيسيًا أو عامل خطر لتطور الخرف في المستقبل القريب.
ربط الباحثون بين درجات فقدان السمع المختلفة ومخاطر الإصابة بالخرف. فقد ارتبط فقدان السمع البسيط بزيادة خطر الإصابة بالخرف بنسبة 16.2%، بينما ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 16.6% في حالات فقدان السمع المتوسط أو الشديد، مما يؤكد تزايد الخطر مع شدة الفقدان.
كما كشفت الدراسة عن فروقات بين الجنسين والعمر فيما يتعلق بتأثير ضعف السمع على تطور الخرف. تبين أن النساء أكثر عرضة لتطور الخرف بنسبة 30.8% مقارنة بالرجال الذين بلغت نسبتهم 24%. كانت العلاقة أكثر وضوحًا لدى الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 75 عامًا، مما يستدعي اهتمامًا خاصًا لهذه الفئة.
فحوصات السمع والمعينات: خطوة وقائية للدماغ
بناءً على هذه النتائج، دعا الباحثون إلى دمج فحوصات السمع ضمن الفحوصات الطبية الروتينية لجميع البالغين، خاصة من تجاوزوا الأربعين عامًا. أكدوا أن التدخل المبكر وعلاج فقدان السمع يمكن أن يؤخر ظهور الخرف لدى شريحة كبيرة من كبار السن، وهو ما يمثل تقدمًا كبيرًا في استراتيجيات الوقاية.
أوصى التقرير باستخدام المعينات السمعية المناسبة للأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع، مشيرًا إليها كوسيلة بسيطة وفعالة في الحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل. يُعد هذا الإجراء خطوة عملية يمكن أن تُحدث فرقًا إيجابيًا في جودة حياة ملايين الأفراد.
من جانبها، علقت الدكتورة إيسولد رادفورد من مؤسسة “ألزهايمر ريسيرش يو كيه” على الدراسة، مؤكدة وجود أدلة قوية تربط بين فقدان السمع في منتصف العمر وزيادة خطر الإصابة بالخرف. شددت على الحاجة الملحة لإجراءات وقائية فعالة، لأن فقدان السمع ليس مصيرًا حتميًا للتقدم في السن بل يمكن الوقاية منه أو معالجته.
تدعم هذه النتائج دراسة سابقة نُشرت العام الماضي في مجلة The Lancet، والتي أشارت إلى أن ما يقرب من نصف حالات الزهايمر يمكن الوقاية منها. حددت الدراسة 14 عاملًا في نمط الحياة يمكن السيطرة عليها، وشملت التوصيات الحد من التعرض للضوضاء الضارة وتوفير الأجهزة السمعية للجميع والتعامل مع ارتفاع الكوليسترول لدى الأشخاص فوق الأربعين.
الخرف عالميًا: أرقام مقلقة ودور الوقاية
تُظهر الأرقام العالمية حجم المشكلة التي يمثلها الخرف؛ حيث يعاني حوالي 900 ألف بريطاني و7 ملايين أمريكي من هذا المرض المدمر. ومن المتوقع أن يرتفع عدد المصابين في بريطانيا إلى 1.7 مليون شخص خلال العقدين المقبلين، مما يستدعي استجابة صحية عاجلة وفعالة.
وفي عام 2022 وحده، سجلت المملكة المتحدة وفاة أكثر من 74 ألف شخص نتيجة للخرف، مما يجعله السبب الأول للوفاة في البلاد. هذه الإحصائيات المقلقة تسلط الضوء على الأثر العميق للمرض على الأفراد والمجتمعات على حد سواء، وتدعو إلى تعزيز الوعي الصحي.
مع التقدم في العمر، أصبح فهم أسباب الخرف وسبل الوقاية منه أمرًا بالغ الأهمية. يبدو أن الوقاية تبدأ من الأذن، وليس فقط من الذاكرة، ففحص السمع ومعالجة فقدانه قد يمثل خطوة حاسمة في إبطاء مسار الخرف وإطالة أمد الدماغ النشط والصحي.