قرار صادم.. واشنطن تمنع علماء المناخ من أداة رئيسية لرصد ذوبان الجليد

تُقرر وزارة الدفاع الأمريكية حرمان علماء المناخ من بيانات الأقمار الصناعية الحيوية لقياس الجليد البحري، وهو مؤشر حساس لتغير المناخ. يأتي هذا القرار ضمن سلسلة هجمات حكومية أوسع على البحث العلمي وتمويله، مهددًا بفجوة خطيرة في رصد الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر.

قطع بيانات الجليد البحري: صدمة لعلماء المناخ

تُعدّ هذه التغييرات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الأمريكية ضربة جديدة للعلم، حيث تهدف إلى إلغاء معالجة البيانات للأبحاث العلمية. أُبلغ علماء المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد (NSIDC) في جامعة كولورادو، بولدر، والذين يعتمدون على هذه البيانات، بعدم قدرتهم على الوصول إليها قريبًا. هذه البيانات تُستخدم لتتبع كمية الجليد البحري، وهو مقياس حاسم لتحديد مدى سرعة ذوبان الجليد في القطبين.

يستخدم المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد بيانات جهاز التصوير السبر بالموجات الدقيقة الاستشعارية الخاصة (SSMIS). هذا الجهاز موجود على سلسلة أقمار صناعية تابعة لبرنامج الأقمار الصناعية للدفاع الجوي التابع للقوات الجوية الأمريكية. يُعدّ SSMIS مقياسًا إشعاعيًا بالموجات الدقيقة، ويمسح الأرض لتحديد الغطاء الجليدي على البر والبحر.

اقرأ أيضًا: إنجاز تاريخي.. أول يد روبوتية عالمية تستجيب للفكر البشري بثني الأصابع

كانت وزارة الدفاع تستخدم هذه البيانات بشكل أساسي لتخطيط عمليات نشر سفنها، لكنها كانت تُتيحها للعلماء أيضًا. في إعلان صدر بتاريخ 24 يونيو، أعلنت وزارة الدفاع أن مركز الأرصاد الجوية العددية وعلوم المحيطات التابع للبحرية الأميركية سيتوقف عن المعالجة في الوقت الحقيقي ويتوقف عن تزويد العلماء ببيانات الجليد البحري. بالرغم من الصرخة الإعلامية التي أحدثها القرار، تأجل تطبيقه حتى نهاية يوليو.

هجمات متواصلة على البحث العلمي الأمريكي

تُشكل هذه التغييرات أحدث حلقات الهجوم الحكومي الأمريكي على العلوم وتمويل البحث العلمي بشكل عام. تهدف هذه الإجراءات إلى خفض الميزانية لتمكين تخفيضات ضريبية في مجالات أخرى. لقد أسفرت هذه الهجمات عن عواقب وخيمة، فقد تم بالفعل إخلاء معهد جودارد لدراسات الفضاء والمؤسسة الوطنية للعلوم من مكاتبهما، مما يعكس تراجع الدعم الحكومي للبحث.

بالإضافة إلى ذلك، أزيلت الإشارات إلى علم المناخ من المواقع الإلكترونية الحكومية، وأُلغي تمويل بيانات توقعات الأعاصير الحيوية. كما تواجه عشرات بعثات ناسا تهديدات صريحة، وطُلب من فرق مشاريعها إعداد خطط إغلاق مع خفض ميزانية وكالة الفضاء. تعكس هذه الإجراءات توجهًا حكوميًا يُقلل من أهمية البحث العلمي والبيانات البيئية.

اقرأ أيضًا: شاهد الآن.. تسريب يكشف ألوان وتصاميم ساعة جوجل Pixel Watch 4 المنتظرة

الأهمية الحيوية لبيانات الجليد البحري ومستقبلها

من وجهة نظر علمية بحتة، يُعدّ حرمان العلماء من بيانات الجليد البحري أمرًا بالغ الخطورة. يُعدّ مؤشر الجليد البحري، الذي يبين كمية الجليد الذي يُغطي محيطات القطب الشمالي والقطب الجنوبي، مؤشرًا حيويًا على ظاهرة الاحتباس الحراري. يؤدي ارتفاع متوسط درجات الحرارة في المحيط والغلاف الجوي إلى ذوبان المزيد من الجليد البحري، مما يستلزم مراقبة دقيقة.

يعمل الجليد البحري كحاجز طبيعي يُبطئ أو حتى يمنع ذوبان الأنهار الجليدية الكبيرة. في حال إزالة هذا الحاجز، يقترب ذوبان الأنهار الجليدية الكارثي خطوة كبيرة، مما يُهدد بارتفاعات خطيرة في مستوى سطح البحر العالمي. بدون القدرة على تتبع الجليد البحري، يُغفل العلماء عن أحد أهم مقاييس تغير المناخ، ويُصبحون عاجزين عن تحديد مدى اقترابنا من حافة الهاوية البيئية.

لا تقتصر أهمية بيانات الجليد البحري على الجانب العلمي والبيئي فقط، بل تمتد لتشمل جانبًا تجاريًا مهمًا. كلما قلّت الجبال الجليدية، اقتربت سفن الشحن من القطب الشمالي، مما يسمح لها باتباع مسارات ملاحية أقصر وأسرع. هذا يُقلل من تكاليف الشحن ويُعزز الكفاءة الاقتصادية، مما يُبرز قيمة هذه البيانات متعددة الأوجه.

ليست الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تُشغّل أجهزة مناخية على متن الأقمار الصناعية. على سبيل المثال، لدى وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) قمر صناعي يُدعى “شيزوكو”، المعروف رسميًا باسم مهمة رصد التغير العالمي للمياه (GCOM-W). يحمل شيزوكو على متنه جهازًا يُسمى مقياس الإشعاع المتقدم للمسح بالموجات الدقيقة 2، أو AMSRS-2، والذي يؤدي نفس وظيفة SSMIS تقريبًا.

يتطلع الباحثون في المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد (NSIDC) بالفعل إلى نقل بيانات AMSRS-2 كبديل محتمل، ربما بعد أن أدركوا أن قرار وزارة الدفاع قادم لا محالة. لكن هذا التحويل سيستغرق وقتًا لمعايرة الجهاز والبيانات مع أنظمة المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد. هذا سيؤدي إلى فجوة في البيانات الحيوية للعلماء، وهي نقطة ضعف في رصدنا للمناخ لا يمكننا تحملها في ظل التحديات البيئية الراهنة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *