شهدت معدلات الولادة الطبيعية في مصر تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع تزايد إقبال النساء على الولادة القيصرية بشكل لافت. وقد أكد الدكتور عمرو حسن، استشاري النساء والتوليد، أن هذا الاتجاه يثير تساؤلات حول الضرورة الفعلية لكل هذه العمليات، مشددًا على أن الولادة الطبيعية حق أساسي للمرأة إذا سمح جسدها بذلك.
الولادة القيصرية تسيطر على المشهد في مصر
أوضح الدكتور عمرو حسن عبر صفحته على فيسبوك أن الولادة الطبيعية ليست مجرد خيار ممكن، بل هي جوهر الخلقة البشرية وحق أصيل للمرأة متى كانت ظروفها الجسدية تسمح بذلك. يشكل هذا الحق ركيزة أساسية لصحة الأم والطفل، ويعكس التوازن الفطري لجسم المرأة الذي صمم ليمارس هذه التجربة الحياتية الهامة.
كشفت نتائج المسح الصحي للأسرة المصرية لعام 2021 عن أرقام مثيرة للقلق بشأن نسب الولادة في البلاد. بلغت نسبة الولادة القيصرية في مصر 72% من إجمالي الولادات، ما يعني أن سبع من كل عشر أمهات يلدن قيصريًا. هذه النسبة المرتفعة تثير تساؤلات جدية حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحول الكبير في نمط الولادة.
تظهر البيانات تفاوتاً ملحوظاً بين المنشآت الصحية المختلفة، حيث وصلت نسبة الولادة القيصرية في المستشفيات الحكومية إلى 63%. وفي المقابل، ارتفعت هذه النسبة بشكل أكبر في المستشفيات الخاصة لتبلغ 81%، مما يشير إلى فروقات في الممارسات والتفضيلات بين القطاعين العام والخاص في تقديم خدمات الولادة.
تساءل الدكتور عمرو حسن عن مدى ضرورة هذه العمليات القيصرية، وهل كان بإمكان آلاف السيدات الولادة طبيعياً لو توفرت لهن المعلومات الصحيحة والدعم الكافي والقرار المناسب. يلقي هذا التساؤل الضوء على أهمية التثقيف الصحي وتمكين المرأة من اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على فهم شامل لخياراتها المتاحة.
تعد الولادة الطبيعية رحلة بيولوجية متكاملة تتفاعل فيها أجهزة الجسم والهرمونات والعقل معًا، وتشكل تجربة نفسية عميقة تعزز ثقة الأم بقدرات جسدها الفطرية. بالإضافة إلى ذلك، توفر الولادة الطبيعية وقاية طويلة المدى للطفل من مشكلات التنفس وتقوي جهازه المناعي، مما يسهم في بناء أساس صحي سليم لحياته المستقبلية.
لماذا تتراجع فرص الولادة الطبيعية؟
يتجه العديد من الأمهات نحو الولادة القيصرية في الوقت الحالي، حتى لو لم تكن الخيار الأفضل دائمًا، وذلك بسبب عدة عوامل ضاغطة. منها ضيق الوقت ورغبة الأمهات في تحديد موعد الولادة لأسباب شخصية أو اجتماعية، بالإضافة إلى سوء التثقيف حول فوائد الولادة الطبيعية ومخاوفهن من الألم، مما يجعل القيصرية تبدو الطريق الأسرع والأقل إرهاقًا.
9 نصائح لتعزيز فرص الولادة الطبيعية
تقديم المعلومة الصحيحة والدعم اللازم للمرأة يسهم بشكل كبير في زيادة فرص الولادة الطبيعية الآمنة والناجحة. يسعى الدكتور عمرو حسن إلى تمكين النساء من خلال مجموعة من النصائح الأساسية التي تساعدهن على اتخاذ القرار الصحيح والاستعداد لهذه التجربة الهامة. هذه النصائح العملية تهدف إلى تبديد المخاوف وتعزيز الثقة بقدرات الجسم.
اختاري طبيبًا داعمًا: ابحثي عن طبيب يمتلك إيمانًا راسخًا بالولادة الطبيعية ويقدم دعمًا نفسيًا ومعنويًا قوياً للأم، وليس مجرد دعم طبي بحت. يساعد الدعم النفسي في تخفيف القلق وتعزيز ثقة الأم بقدرتها على الولادة بشكل طبيعي.
افهمي جسدك: تعرفي جيدًا على علامات الولادة الطبيعية وكيفية التعامل معها، وتعلمي تمارين التنفس الفعالة التي تساعد في تخفيف الألم و تسهيل عملية الولادة. من الضروري أيضاً فهم مخاطر اللجوء المبكر إلى الطلق الصناعي أو القيصرية دون داعٍ واضح، فكلما زادت معرفتك، زادت فرصتك في اتخاذ القرار الصائب.
مارسي الرياضة بانتظام: دمج الأنشطة البدنية مثل المشي والسباحة واليوجا في روتينك اليومي خلال فترة الحمل يعود بفوائد جمة. تساهم هذه التمارين في تقوية عضلات الحوض والرحم بشكل ملحوظ، مما يسهل عملية الولادة ويجعلها أكثر سلاسة وأقل صعوبة على الأم.
حافظي على تغذية ذكية: احرصي على اتباع نظام غذائي متوازن يضمن وصول الجنين لحجم صحي مناسب دون زيادة عن المعدل الطبيعي. التغذية السليمة تساهم في ولادة أسهل، وتجنب تحريض الولادة المبكر، وتقلل فرص اللجوء إلى القيصرية بسبب زيادة وزن الجنين. تجنبي السكريات الزائدة التي ترفع وزن الجنين، والأملاح الزائدة التي تسبب تورماً ومشاكل في ضغط الدم، وركزي على البروتين الحيواني والنباتي، والكالسيوم، والحديد، والفواكه الغنية بمضادات الأكسدة.
لا تستعجلي الولادة: تعتقد العديد من الأمهات أن تحديد موعد الولادة القيصرية بدافع التوقيت أو الترتيب الشخصي هو الخيار الأمثل، مثل الرغبة في الولادة قبل الأعياد أو قبل سفر الطبيب. ولكن الولادة الطبيعية تتطلب صبرًا وثقة بتوقيت جسمك الفطري، حيث يلد الجسم عندما يكون مستعدًا تمامًا.
اختاري بيئة داعمة وقت الولادة: اختاري مستشفى يشجع على الولادة الطبيعية ويوفر أجواء هادئة ومريحة، مع موسيقى هادئة وإضاءة خافتة. بيئة الولادة تؤثر بشكل كبير على إفراز الهرمونات، خاصة “الأوكسيتوسين” المسؤول عن الطلق. وجود الزوج ودعمه المستمر في لحظة الولادة يحدث فرقًا كبيرًا، فهو يقلل من القلق والتوتر ويدعم الأم لتكمل الطريق الطبيعي حتى النهاية.
تعرفي وسائل تخفيف الألم: لا تخافي من “وجع الولادة” وتعرفي على وسائل تخفيف الألم المتاحة، سواء كانت طبيعية أو طبية. تختار أغلب السيدات الولادة القيصرية خوفًا من الألم، لكن اليوم تتوفر وسائل تخفيف ألم آمنة مثل حقنة الإيبيدورال، والولادة في الماء، بالإضافة إلى تقنيات التنفس الواعي التي تساعد في السيطرة على الألم بشكل فعال.
برمجي عقلك: أدت وسائل الإعلام في بعض الأحيان إلى نشر صورة مرعبة عن الولادة الطبيعية، لكن الحقيقة أن أغلب السيدات اللواتي جربنها مرة واحدة يطلبنها في الولادات التالية بإرادتهن الكاملة. الثقة بقدرة جسمك على الولادة تعد نصف الطريق نحو تجربة إيجابية ومُرضية.
صدقي أن جسدك يقدر: جسمك مصمم بشكل طبيعي ومبرمج بيولوجيًا على الولادة، فملايين النساء حول العالم يلدن طبيعيًا كل يوم بنجاح. هذه الثقة بقدرات جسدك الفطرية تساهم بشكل كبير في تحقيق ولادة طبيعية ناجحة وميسرة، فالثقة تعد نصف الطريق نحو تحقيق هدفك.
مستقبل الولادة الطبيعية في مصر: دعوة للتغيير
إن التوجه نحو زيادة الولادات الطبيعية في مصر يتطلب جهودًا مكثفة من الأطباء والمؤسسات الصحية والمجتمع ككل. يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تمكين النساء من اتخاذ قرارات صحية ومستنيرة بشأن الولادة، بعيدًا عن الضغوط والتوقعات غير الضرورية. هذا التغيير الثقافي والطبى سيعود بالنفع على صحة الأمهات والأطفال معًا، ويضمن مستقبلًا أفضل للجيل القادم.