بدأت مركبة “بيرسيفيرانس” التابعة لوكالة ناسا مهمة حفر جديدة في صخرة على سطح المريخ، بهدف جمع معلومات دقيقة حول بيئته القديمة. يسعى العلماء من خلال هذه العينات إلى إيجاد إجابات حاسمة حول إمكانية استيطان المريخ للحياة في الماضي. تمثل هذه الخطوة تقدمًا مهمًا في جهود البحث عن آثار المياه والحياة على الكوكب الأحمر.
اكتشافات بيرسيفيرانس في صخرة “كينمور”
قامت المركبة في مهمة سابقة بكشط بقعة صخرية تُسمى “كينمور” في فوهة جيزيرو، حيث أزالت الطبقة الخارجية لتكشف عن المادة النقية أسفلها. سمحت هذه الطريقة، التي شملت الطحن الميكانيكي ونفث غاز النيتروجين، للعلماء بدراسة باطن الصخور التي ظلت محمية من عوامل التعرية والإشعاع والغبار لمليارات السنين. تمثل هذه المهمة نقلة نوعية من الاستطلاع الأولي إلى الفحص الدقيق، باستخدام تقنيات متقدمة للكشف عن أحجار من عصور غابرة ومياه قديمة، وربما بصمات حيوية.
بالرغم من التحديات التي واجهت المركبة، حيث وصفت وكالة ناسا صخرة كينمور بأنها “صعبة بشكل غير متوقع” وقد اهتزت وتكسرت أجزاء صغيرة منها أثناء الحفر. لكن فريق العمل تمكن من كشف مساحة كافية من السطح لإجراء التحليل المطلوب، مما سمح بجمع بيانات قيمة رغم الصعوبات التقنية التي واجهتهم.
معادن غنية بالمياه تكشف تاريخ المريخ
كشفت أجهزة المركبة المتطورة، مثل “واتسون” و”سوبركام”، عن وجود معادن طينية تتكون من مركبات مائية تحتوي على الحديد والمغنيسيوم. يشير هذا الاكتشاف بوضوح إلى تعرض الصخور للماء لفترة طويلة في الماضي. تتوافق هذه النتائج بشكل كبير مع التاريخ الجيولوجي لفوهة جيزيرو، المعروفة بكونها دلتا نهرية وقاع بحيرة قديم، مما يعزز مكانتها كموقع رئيسي للبحث عن البصمات الحيوية.
إضافة إلى ذلك، أكدت قياسات أخرى أجرتها أدوات “شيرلوك” و”بيكسل” وجود الفلسبار والمنجنيز المُشتت ذريًا، وهي سابقة فريدة في عينات المريخ. تكتسب هذه النتائج أهمية بالغة لأن هذه المعادن تتشكل وتنمو عادة في بيئات غنية بالمياه، مما يقدم دليلاً إضافيًا على أن الكوكب الأحمر كان يتمتع بماضٍ أكثر ثراءً بالمياه مما كان يُعتقد في السابق.
آفاق مستقبلية للبعثات البشرية
ستُستخدم أجهزة المركبة أيضًا لتقييم إمكانية استغلال هذه الصخور في البعثات البشرية المستقبلية إلى المريخ. يمكن أن تشمل هذه الاستخدامات استخراج الوقود الضروري للعودة إلى الأرض أو بناء الموائل التي ستوفر الحماية لرواد الفضاء. تساعد البيانات التي تجمعها “بيرسيفيرانس” الآن في تحديد مواقع الهبوط المستقبلية، لضمان عدم وصول البعثات البشرية إلى مناطق تحتوي على صخور يصعب التعامل معها أو استغلالها.
تعد “كينمور” الصخرة الثلاثين التي فحصتها مركبة “بيرسيفيرانس” عن كثب ضمن مهمتها المستمرة. تواصل المركبة عمليات الحفر وجمع وإغلاق عينات من اللب الصخري التي قد يتم إعادتها إلى الأرض يومًا ما للدراسة المعمقة. ورغم أن مستقبل برنامج إعادة عينات المريخ (MSR) يحيطه بعض الغموض بسبب التحديات التمويلية، فإن المهمة الحالية لـ”بيرسيفيرانس” تستمر في تقديم معلومات بالغة الأهمية عن ماضي المريخ الجيولوجي، والذي يُحتمل أن يكون صالحًا للحياة.