نص فريد.. جمال عبد الناصر يصف زوزو نبيل: فنانة لا تمثل الأدوار بل تسكنها

تحتفل الساحة الفنية اليوم بذكرى ميلاد الفنانة المصرية زوزو نبيل، التي ولدت في 6 يوليو عام 1918. تقف زوزو نبيل كقيمة فنية راسخة في تاريخ الأداء النسائي بالسينما والمسرح العربي، بما قدمته من تجسيد فريد للشخصيات المعقدة، وبصمتها الصوتية التي لا تُنسى.

مسيرة فنية استثنائية

بدأت زوزو نبيل مسيرتها الفنية على خشبة المسرح، حيث انضمت لفرقتي مختار عثمان ويوسف وهبي، مما صقل موهبتها في الأداء الحي. جاء أول ظهور سينمائي لها عام 1937 في فيلم “الدكتور”، لكن دورها البارز بدأ في فيلم “سلامة” إلى جانب أم كلثوم. جسدت فيه دور الصديقة، وهو الدور الذي كررته لاحقًا مع شادية في فيلم “لحن الوفاء”. أسست زوزو نبيل عبر هذه الأدوار نمطًا خاصًا بها في تجسيد الشخصيات المساندة، التي تحمل أبعادًا نفسية واجتماعية عميقة.

برزت قدرات زوزو نبيل التمثيلية في أدوار المرأة المتعددة الأوجه، مثل الأم المتسلطة أو الزوجة القاسية، إضافة إلى العجوز المتصابية. كانت تضفي دائمًا بُعدًا إنسانيًا على هذه الشخصيات، مما يجعل قسوتها مفهومة ومبررة في بعض الأحيان. فرضت الفنانة طبقة أداء خاصة بها على مدار عشرات الأفلام، لا تشبه أي ممثلة أخرى ولا تُقلد. هذا ما دفع مخرجين كبارًا مثل حسن الإمام للاعتماد عليها في أكثر من اثني عشر فيلمًا. شكلت زوزو نبيل ثنائيًا دراميًا مدهشًا مع الفنان محمود المليجي، تميز بتوازن حضورهما وقوة اشتباكهما العاطفي والدرامي على الشاشة.

اقرأ أيضًا: نجوم الفن.. سعد الصغير وعمر كمال ومصطفى حجاج في عزاء أحمد عامر بالصور

صوتٌ لا يُنسى

يبقى الأداء الأكثر رسوخًا في ذاكرة الجمهور هو دورها الصوتي المميز في مسلسل “ألف ليلة وليلة” الإذاعي. جسدت زوزو نبيل بصوتها شخصية “شهرزاد”، وبدأت كل حكاية بعبارتها الأيقونية “بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد…”. في هذا الدور، تجلت قمة موهبتها الصوتية والوجدانية، فلم يكن أداؤها مجرد إلقاء، بل غزل درامي بصوت مشحون بالعاطفة والإيقاع. كانت زوزو نبيل تدفع المستمع إلى عالم سحري يمزج بين الحكاية والواقع، وتضيف إلى كل قصة طبقة من التشويق والتوتر.

استطاعت زوزو نبيل خلق شخصية “شهرزاد” ككيان حي ينبض بالحكمة والدهاء والحنان، فقط من خلال خامة صوتها الفريدة. هذا جعل الكثيرين لا يتخيلون شهرزاد بوجه آخر غير وجه زوزو نبيل، بالرغم من حضور صوتها فقط.

إرثٌ يتجاوز الأداء

لم تكتفِ زوزو نبيل بالتمثيل خلال مسيرتها المهنية، بل أسهمت أيضًا في الإدارة الثقافية والتدريس. عملت رقيبة في المصنفات الفنية، ثم تولت إدارة المسرح الشعبي، كما شغلت مناصب قيادية في مؤسسة المسرح. كانت أستاذة لمادة الإلقاء في معهد السينما والثقافة الجماهيرية، إلى جانب الفنان عبد الوارث عسر. تعد تجربتها الإدارية مثالًا ثريًا للجمع بين الموهبة الفنية والقدرة المؤسسية. حتى عندما تقدم بها العمر، لم تتخل عن شغفها بالفن، مؤكدة أن التمثيل يجعلها أصغر بعشر سنوات.

اقرأ أيضًا: مفيش زيه.. شاهد ملايين الحجاج على صعيد عرفات في يوم لا يُنسى من الرحمة والمغفرة

لم تكن حياة زوزو نبيل الشخصية أقل إثارة من أدوارها الفنية، فقد تزوجت مرتين. استُشهد ابنها الوحيد نبيل، الذي كان ضابطًا في الجيش المصري، خلال حرب أكتوبر عام 1973، وهو ما شكل جرحًا عميقًا في حياتها. عُرفت أيضًا بعلاقتها الودية النادرة بضرتها، والتي تجاوزت الغيرة وعكست نضجًا عاطفيًا فريدًا. رفضت والدتها في البداية دخولها المجال الفني خوفًا من الشائعات، لكنها رضخت أمام إصرار زوزو نبيل التي أقسمت على أن تظل مثالًا للشرف والاستقامة، وهو قسم حافظت عليه حتى وفاتها.

واصلت زوزو نبيل العمل في سنواتها الأخيرة رغم تقدم العمر وتراجع الصحة. جاء فيلم “المرشد” عام 1989 بداية لعودتها بعد غياب، تلاه ظهورها الأخير في فيلم “رجل مهم جدًا” مع فاروق الفيشاوي. توفيت الفنانة قبل عرض الفيلم بخمسة أشهر، تاركة وراءها إرثًا فنيًا لا يقدر بثمن. حظيت زوزو نبيل بتكريمات مستحقة من مهرجاني الإسكندرية والقاهرة السينمائيين. تسلمت زوجة ابنها الجائزة عنها في آخر تكريم لها، بسبب مرضها، في لحظة وداع فني رسمي تليق بفنانة فضلت البقاء على المسرح حتى اللحظات الأخيرة.

تظل زوزو نبيل، بكل ما قدمته، إحدى ركائز التمثيل النسائي في العالم العربي، ليس فقط لحضورها الفني، بل لقدرتها النادرة على تحويل القسوة إلى صدق، والحكاية إلى واقع، والصوت إلى حياة نابضة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *