نفوذ عالمي.. الصين تسيطر على المعادن وأسرار سباقها للهيمنة على موارد الأرض

شهد قطاع التعدين العالمي نشاطًا صينيًا غير مسبوق، حيث بلغت صفقات الاستحواذ الخارجية أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد. يأتي هذا الارتفاع مدفوعًا بمساعي بكين الحثيثة لتأمين إمدادات المواد الخام الحيوية لاقتصادها المزدهر، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية عالميًا. وتسعى الشركات الصينية لتأمين المعادن اللازمة لصناعاتها المتطورة.

صعود صفقات التعدين الصينية العالمية

سجل العام الماضي عشر صفقات استحواذ صينية تجاوزت قيمة كل منها مئة مليون دولار، وهو رقم قياسي لم يُشهد منذ عام 2013، حسب بيانات تحليلية من شركتي “إس آند بي” و”ميرجيرماركت”. كما أكدت دراسة منفصلة أجراها “معهد آسيا بجامعة غريفيث” أن عام 2023 كان الأكثر نشاطًا لاستثمارات البناء والتعدين الصينية خارج البلاد خلال عقد كامل.

يعكس هذا الزخم الطلب الهائل على المواد الخام داخل الصين، التي تُعد أكبر مستهلك لمعظم المعادن على مستوى العالم. هذا الطلب المستمر جعل الاستثمار الخارجي لشركات التعدين الصينية ممارسة استراتيجية طويلة الأمد لضمان استقرار الإمدادات.

اقرأ أيضًا: انخفاض المكرونة وأسعار السلع الأساسية في الأسواق بتاريخ 29 مايو 2025

سباق جيوسياسي على المعادن الحيوية

يشير محللون ومراقبون ماليون إلى أن تسارع وتيرة هذه الصفقات يعكس جزئيًا استباق بكين لتدهور المناخ الجيوسياسي، الذي أثر سلبًا على ترحيب بعض الدول الرئيسية مثل كندا والولايات المتحدة بالاستثمارات الصينية. تتجه الصين لتأمين هذه الموارد قبل تفاقم القيود الدولية.

يؤكد مايكل شيرب، مؤسس شركة الأسهم الخاصة Appian Capital Advisory، أن المجموعات الصينية تستغل نافذة زمنية قصيرة لإنجاز أكبر قدر ممكن من صفقات الاستحواذ قبل أن تتعقد الأمور سياسيًا. استمر هذا التوجه خلال العام الجاري، حيث أعلنت شركة “زيجين ماينينغ” الصينية عن خطط للاستحواذ على منجم ذهب في قازاخستان بقيمة 1.2 مليار دولار، كما باعت شركة Appian منجم النحاس والذهب في البرازيل إلى مجموعة “بايين نونفيروس” الصينية مقابل 420 مليون دولار في أبريل الماضي.

تسعى الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية لتقليص اعتمادها على الصين في الحصول على هذه المعادن الحيوية، التي تعد أساسية في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات وتوربينات الرياح. تعمل هذه الدول على بناء سلاسل إمداد بديلة لضمان أمنها الاقتصادي.

اقرأ أيضًا: جهز محفظتك كويس.. آخر أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم.. الكوسة بـ 9 جنيهات!

تكتيكات صينية متطورة في الاستحواذ

يشير كريستوف نيدوبيل، مدير “معهد آسيا بجامعة غريفيث”، إلى أن استثمارات الصين في قطاع التعدين والموارد بالخارج تظل كبيرة على النقيض من مشاريع البنية التحتية الأصغر ضمن مبادرة الحزام والطريق. يعكس ذلك تحول الصين نحو التصنيع عالي التقنية، خصوصًا في قطاعات البطاريات والطاقة المتجددة، كما يشير إلى نضج ومهنية نهج المستثمرين الصينيين.

ورغم هيمنة الصين على عمليات معالجة معظم المعادن الحيوية، مثل العناصر الأرضية النادرة والليثيوم والكوبالت، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الخام. هذه المعادن تشكل حجر الزاوية في صناعات المستقبل، مما يزيد من أهمية تأمين مصادرها.

أفاد آدم ويب، رئيس قسم المواد الخام للبطاريات في شركة Benchmark Mineral Intelligence، أن دولًا غربية مثل كندا وأستراليا أصبحت أكثر حذرًا تجاه الاستثمارات الصينية في أصول التعدين المحلية، نظرًا للطبيعة الاستراتيجية للعديد من هذه المعادن. يتزايد القلق من السيطرة الصينية على إمدادات عالمية حيوية.

أصبح المستثمرون الصينيون أكثر براعة في الاستحواذ على أصول التعدين مقارنة بمنافسيهم الغربيين في السنوات الأخيرة، حيث غالبًا ما يظهرون استعدادًا لتحمل مخاطر أكبر والنظر إلى التقييمات من منظور طويل الأجل. وقد تطورت استراتيجيات الاستحواذ الخارجية للمشترين الصينيين بشكل ملحوظ، إذ تسمح الحكومة الصينية الآن للشركات بالتنافس فيما بينها، مما يعكس ثقتها المتزايدة وعدم خشيتها من الخسارة أمام المنافسين الغربيين.

يؤكد جون ماير، المحلل في شركة الاستشارات SP Angel، أن الصين تبرم صفقات بهدف إقصاء الغرب عن الوصول إلى بعض المواد الحيوية التي تهيمن عليها. يظهر الصينيون بسيولتهم المالية فور اقتراب أي طرف من استخراج الليثيوم، مما يعكس عزمهم على السيطرة. من أبرز الشركات الصينية النشطة في صفقات التعدين الخارجية: مجموعة “زيجين ماينينغ”، وشركة “إم إم جي”، و”الصين لموارد المعادن غير الحديدية”.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت المؤسسات المالية الصينية قروضًا بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع استخراج ومعالجة المعادن في دول العالم النامي. تعمل الشركات الصينية على إعادة تموضعها للاستفادة من موجة “القومية المواردية” في دول أفريقية مثل مالي، حيث تبدي استعدادًا لقبول شروط أقل ربحية مقابل تولي تشغيل الأصول التعدينية، في ظل محاولات بعض الحكومات العسكرية استعادة السيطرة على الأصول الغربية والمطالبة بزيادة الرسوم والإتاوات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *