ثورة رقمية.. الصين تكشف عن هوية رقمية متطورة لحماية مستخدمي الإنترنت

@ تخطو الصين بثبات نحو عهد جديد من السيطرة الرقمية الشاملة، حيث تستعد البلاد لاطلاق نظام هوية رقمية على مستوى وطني بالكامل مخصص لاستخدام الانترنت. هذا التحول الكبير، المقرر انطلاقه في الخامس عشر من يوليو، ينقل صلاحية التحقق من هوية المستخدمين من عاتق الشركات الخاصة الى الدولة بشكل مباشر، مما يعيد تشكيل المشهد الرقمي في البلاد بصورة جذرية.

تغيير جذري في ادارة البيانات

لبناء هذه الهوية الرقمية، يتعين على الافراد تقديم مجموعة واسعة من معلوماتهم الشخصية، بما في ذلك مسح لوجوههم، عبر تطبيق يديره جهاز الشرطة. بعد اتمام عملية التسجيل، يمكن للمستخدمين الوصول الى المواقع والتطبيقات المتنوعة دون ان تطلع الشركات على بياناتهم الشخصية المباشرة، اذ يظهرون كسلسلة مجهولة من الارقام والحروف. لقد اظهر البرنامج التجريبي، الذي انطلق قبل عام واحد، نجاحا ملحوظا بجمعه نحو ستة ملايين مستخدم. ورغم ان المشاركة ما تزال اختيارية حتى الان، تروج السلطات ووسائل الاعلام الرسمية لهذا النظام تحت شعار “امن المعلومات”، مستهدفين بذلك ما يقرب من مليار ومئة مليون مستخدم للانترنت في الصين.

بنية مراقبة متطورة ودور الدولة

يعتمد هذا النظام الجديد على البنية التحتية للمراقبة القائمة في الصين، والتي تشمل “جدار الحماية العظيم” الذي يحظر عددا هائلا من المواقع والمنصات الاجنبية. كان على المواطنين سابقا التسجيل باسمائهم الحقيقية لاستخدام خدمات الانترنت، مع قيام الشركات الخاصة بدور محوري في فرض هذه القواعد. فمنصات مثل “ويبو” (النسخة الصينية من منصة اكس) كانت تستخدم انظمة رقابة ضخمة لمراقبة المحتوى والتحكم فيه بين مئات الملايين من مستخدميها.

اقرأ أيضًا: مفاجأة.. إليك أهم مواصفات هاتف هونر Magic V2 Flip ببطارية ضخمة وتقنيات غير مسبوقة

ولكن مع النظام الجديد، ستنتقل مهمة التحقق من الهوية وجمع البيانات بالكامل الى الدولة. لن تتمكن الشركات بعد الان من الوصول المباشر الى التفاصيل الشخصية للمستخدمين. وبينما تظل الشركات قادرة على مراقبة المحتوى والابلاغ عن المخالفات، فان الشرطة وحدها هي من ستمتلك البيانات الكاملة لهوية المستخدمين. هذا التغيير الجذري سيعيد تشكيل طريقة ادارة البيانات الشخصية في الصين. ورغم صرامة الصين المعروفة في المراقبة، من المثير ان اطلاق هوية رقمية شاملة بهذا الحجم لم يتم سابقا. دول مثل استراليا وبريطانيا تطبق انظمة مشابهة، لكنها عادة ما تقتصر على الوصول الى الخدمات الحكومية، ولا تديرها الشرطة. اما برنامج “ا ادهار” في الهند، الذي اطلق عام الفين وتسعة، فهو من اضخم الانظمة من نوعه عالميا، ولكنه اقل شمولية من النسخة الصينية المقترحة.

ابعاد استراتيجية واقتصادية

رسميا، يتم تسويق الهوية الرقمية كوسيلة لحماية المستهلك. يعاني الكثير من الصينيين من عمليات الاحتيال والمكالمات المزعجة نتيجة تسرب وبيع معلوماتهم الشخصية. وتزعم الحكومة ان توحيد عملية التحقق من الهوية سيقلل من الجرائم الالكترونية، حيث وصفت وسائل الاعلام الحكومية النظام بانه “سترة واقية من الرصاص” للبيانات الشخصية.

على المدى الطويل، تاتي الهوية الرقمية ضمن رؤية حكومية اوسع للسيطرة المركزية على تدفق البيانات. اذ يرى المسؤولون الصينيون البيانات كاصل اقتصادي استراتيجي، يعادل في قيمته الارض والعمالة وراس المال. كما ان هناك مخاوف امنية عميقة: تخشى الحكومة ان تقع البيانات الشخصية في ايدي جهات اجنبية، مما قد يستغل في الهجمات السيبرانية او حملات التضليل. السيطرة المركزية على البيانات يمكن ان تقلل من هذه المخاطر، وتدعم تطوير الذكاء الاصطناعي في البلاد. ونظرا للقيود المفروضة على شراء الرقائق الامريكية المتطورة، تسعى الشركات الصينية للحصول على ميزة تنافسية من خلال البيانات. فالوصول الى كميات ضخمة من البيانات عالية الجودة يمكن ان يحسن من كفاءة النماذج الذكية. وقد اشار المستثمر التقني “لي كاي-فو” الى ان هذه البيانات قد تساعد الصين على المنافسة عالميا. ومن المجالات التي استفادت بالفعل من هذه الوفرة في البيانات، تقنية التعرف على الوجوه، والتي تطورت بفضل ملايين الكاميرات المنتشرة في المدن الصينية.

اقرأ أيضًا: اشحن 2300 جوهرة في ثواني..طريقة شحن جواهر فري فاير بدون حظر بطريقة مضمونة 100%

تاثير على عمالقة الانترنت ومستقبل السوق

تلعب الدوافع الاقتصادية ايضا دورا محوريا في هذا التوجه. فقد اعلنت الحكومة الصينية ان البيانات اصبحت “عامل انتاج” اساسيا. انشات الحكومات المحلية اسواقا للبيانات تسمح بتداولها بين الوكالات الحكومية والشركات العامة والخاصة. في مدينة شنتشن، على سبيل المثال، يمكن للشركات شراء بيانات عن استهلاك الكهرباء من الشبكة الوطنية. وهناك خطط طموحة لانشاء بورصة وطنية للبيانات. وفي يونيو، اقر مجلس الدولة قواعد جديدة لمنع احتكار البيانات من قبل الوزارات المتنافسة.

يهدد هذا التغيير هيمنة عمالقة الانترنت في الصين، مثل “علي بابا” و”تينسنت” و”ميتوان”، والذين تعتمد نماذج اعمالهم بشكل كبير على جمع البيانات. ومع ذلك، لم يظهر سوق الاسهم رد فعل قوي حتى الان. لكن للحكومة سجلا حافلا في كبح جماح هذه الشركات. ففي عام الفين وواحد وعشرين، اجبرت مجموعة “انت” التابعة لعلي بابا على مشاركة بياناتها الائتمانية مع البنك المركزي. وفي العام نفسه، فرضت غرامة بقيمة ثمانية مليارات يوان على شركة “ديدي” واجبرت على الانسحاب من بورصة نيويورك بسبب انتهاكات في جمع البيانات وتهديدات للامن القومي. ورغم طموحاتها الكبيرة، فان سجل الحكومة الصينية في ادارة البيانات ليس خاليا من العيوب. فعمليات تسرب البيانات وضعف تامينها لا تزالان شائعين. ففي عام الفين واثنين وعشرين، تمكن متسلل من سرقة مليار سجل شخصي من شرطة شنغهاي بسبب قاعدة بيانات غير محمية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *