من طين الجوف القديم.. حرفيون سعوديون يصنعون فخارًا يحكي تاريخ المملكة.
صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف لا تمثل مجرد حرفة يدوية قديمة، بل هي تجسيد حي لتاريخ طويل من تفاعل الإنسان مع أرضه، حيث حوّل الطين، هذا العنصر الطبيعي البسيط، إلى أدوات ومنتجات فنية تروي قصص الأجيال؛ وفي الجوف تحديدًا، لم تفقد هذه الحرفة بريقها، بل تجدد حضورها بفضل جهود الحرفيين ودعم المبادرات الوطنية.
رحلة مؤيد العرجان مع صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف
بدأت قصة الشغف لدى الحرفي مؤيد العرجان، ابن منطقة الجوف، منذ نعومة أظافره قبل ثمانية عشر عامًا، حيث كانت دروس التربية الفنية والعلوم في المدرسة هي الشرارة الأولى التي أوقدت اهتمامه بتشكيل الطين؛ ورغم مرور السنوات، ظل هذا الشغف كامنًا حتى استعاده العرجان بقوة في سن الثامنة والعشرين، ليبدأ رحلة جديدة مع هذه الحرفة العريقة، فلم يكتفِ بتشكيل مجسمات طينية للقلاع والبيوت التراثية التي تزخر بها المنطقة، بل تعمق أكثر في دراسة أسرار صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف، مستلهمًا من تاريخها الغني الذي تشهد عليه الأفران الفخارية القديمة المكتشفة، والتي يعود تاريخها لآلاف السنين، مما يؤكد أن الإرث الحرفي متجذر في هوية المكان.
إن دافع العرجان الأساسي وراء هذا الاهتمام المتجدد لم يكن مجرد هواية، بل رغبة عميقة في إحياء التراث المحلي وإعادة تقديمه بأسلوب فني معاصر يعكس هوية المنطقة وتاريخها العريق؛ فكل قطعة يشكلها هي بمثابة جسر يربط الماضي بالحاضر، ورسالة للأجيال الجديدة بأهمية الحفاظ على موروثهم الثقافي؛ وتتميز أعماله بقدرتها الفائقة على تجسيد المعالم الوطنية البارزة بدقة متناهية، وهو ما يبرهن على أن صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف تتجاوز كونها مجرد منتجات نفعية لتصبح أعمالًا فنية تحمل قيمة تاريخية ووطنية كبيرة.
أسرار وتقنيات صناعة الخزف والفخار التراثية
يوضح مؤيد العرجان أن عملية تحويل الطين إلى قطعة فنية خالدة تمر بسلسلة من المراحل الدقيقة والمدروسة، فكل خطوة لها أهميتها لضمان جودة المنتج النهائي وسلامته؛ وتبدأ هذه الرحلة الإبداعية من تجهيز المادة الخام نفسها، وهي التربة، لتصل في النهاية إلى قطعة مزججة لامعة؛ وتتطلب صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف صبرًا ومهارة، ويمكن تلخيص خطواتها الأساسية في النقاط التالية:
- تجهيز التربة وعجن الطين: هي الخطوة الأولى والأساس، حيث يتم تنقية الطين وعجنه جيدًا لطرد كل فقاعات الهواء التي قد تتسبب في تشقق القطعة أو كسرها أثناء عملية الحرق في الفرن.
- التشكيل الفني: يتم تشكيل الطين بعدة طرق، منها التشكيل اليدوي المباشر، أو باستخدام تقنية الحبال الطينية، أو الشرائح، وهي الطريقة التي يفضلها العرجان في معظم أعماله لما تتيحه من دقة في بناء المجسمات.
- اللمسات النهائية: بعد أن يجف الطين، تأتي مرحلة التزيين التي تشمل التزجيج والطلاء باستخدام الأكاسيد المعدنية التي تمنح القطع ألوانها المميزة وبريقها الخاص بعد الحرق النهائي.
ويعتمد العرجان في عمله على مجموعة من الأدوات التي أصبحت متاحة بسهولة في المتاجر المتخصصة اليوم، مما يجمع بين أصالة التقنيات اليدوية القديمة والتسهيلات التي توفرها الأدوات الحديثة، وهذا المزيج يساهم في تطوير صناعة الخزف والفخار بشكل مستمر.
إحياء صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف ودورها الوطني
تتجاوز أعمال مؤيد العرجان حدود منطقته لتجسد أبرز المعالم الوطنية في المملكة العربية السعودية، محولًا الطين إلى سجل مرئي يحفظ تاريخ الوطن؛ فقد برعت أنامله في صناعة تحف ومجسمات دقيقة لمعالم بارزة تركت بصمتها في التاريخ السعودي، مما يجعل من فنه وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية والانتماء.
| المعلم الوطني المجسّد | المنطقة |
|---|---|
| مسجد الخليفة عمر بن الخطاب | منطقة الجوف |
| قلعة مارد التاريخية | منطقة الجوف |
| حي الطريف في الدرعية التاريخية | منطقة الرياض |
| قصر المصمك | منطقة الرياض |
هذا الاهتمام المتزايد بإعادة إحياء صناعة الخزف والفخار في منطقة الجوف ينسجم تمامًا مع التوجه الوطني الأوسع، والمتمثل في مبادرات “عام الحرف اليدوية 2025″؛ وتهدف هذه المبادرات إلى العناية بالحرف التقليدية السعودية، وتعزيز مكانتها الثقافية كمكون أساسي من هوية المجتمع، ودعم قيمتها الاقتصادية كجزء حيوي من الإرث المتجذر عبر التاريخ.
إن هذا التناغم بين الشغف الفردي والدعم المؤسسي يضمن استدامة الحرف التراثية، ويؤكد أن صناعة الخزف والفخار ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل هي جزء حي ومتجدد من هوية المملكة وإرثها الثقافي الذي يواصل تشكيل ملامح المستقبل.
