الدين الأمريكي يتجاوز 38 تريليون دولار.. الكشف عن تداعيات القفزة غير المسبوقة على الاقتصاد العالمي.

اقترب الدين العام الأمريكي من حاجز الـ 38 تريليون دولار مسجلاً مستويات قياسية جديدة، في ظل تزايد العجز المالي والإنفاق الحكومي المتواصل. يصف خبراء الاقتصاد هذه الزيادة السريعة بأنها “مقلقة وغير مستدامة”، وتثير وتيرة تراكم الدين الحالية قلقاً واسعاً داخل الأوساط المالية والسياسية بالولايات المتحدة، بعد أن وصلت لمعدلات غير مسبوقة منذ عقود.

ما وراء تصاعد الدين الأمريكي: العجز والإنفاق الحكومي

يشير محللون اقتصاديون إلى أن العجز المزمن في الميزانية الفيدرالية يمثل المحرك الأساسي لتفاقم الدين العام الأمريكي. تتجاوز نفقات الحكومة الفيدرالية بشكل كبير إيراداتها من الضرائب، ما يخلق فجوة مالية مستمرة. تعود هذه الفجوة إلى عوامل متعددة، منها تخفيضات الضرائب المتكررة، والزيادة الملحوظة في مخصصات الدفاع، إلى جانب التوسع في برامج الرعاية الاجتماعية. كذلك، لعبت الأزمات الاقتصادية الكبرى، كالأزمة المالية العالمية عام 2008 وجائحة كوفيد-19، دوراً محورياً في تضخم حجم الدين بسبب برامج التحفيز الاقتصادي الضخمة التي أُطلقت لدعم الاقتصاد وإنقاذه.

تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على عبء الدين الأمريكي

فاقمت السياسة النقدية المتشددة ورفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة من تكاليف خدمة الدين، التي باتت تشكل عبئاً مالياً متزايداً على الموازنة العامة. ارتفعت مدفوعات الفائدة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، مما يعني أن جزءاً كبيراً من الإيرادات الحكومية يُخصص الآن لتغطية فوائد الديون المستحقة. هذا يقلص القدرة على تمويل الاستثمارات الحيوية أو توفير الخدمات العامة للمواطنين، ويحد من المرونة المالية لواشنطن.

الانقسام السياسي يعرقل جهود تقليص الدين العام

يمثل الانقسام الحاد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري عقبة رئيسية أمام التوصل إلى إصلاحات مالية مستدامة لمعالجة أزمة الدين. يرفض كل طرف التنازل عن أولوياته السياسية والاقتصادية، مما يؤدي إلى استمرار الإنفاق الحكومي المتزايد دون إيجاد حلول عملية لتقليص الدين المتراكم. يحذر مراقبون اقتصاديون من أن غياب التوافق السياسي قد يدفع الولايات المتحدة نحو مزيد من الأزمات المالية الخطيرة في المستقبل القريب، ويزيد من صعوبة معالجة هذه التحديات المالية.

تداعيات الدين الأمريكي المرتفع على الأسواق العالمية

لا يقتصر تأثير الدين الأمريكي المرتفع على الساحة الداخلية، بل يمتد ليشمل الأسواق المالية العالمية بأكملها. يهدد هذا الوضع استقرار الدولار الأمريكي، الذي يُعتبر العملة الاحتياطية الأولى في العالم، مما قد تكون له تبعات سلبية واسعة. يؤدي ارتفاع تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة إلى رفع أسعار الفائدة على مستوى العالم، الأمر الذي ينعكس سلباً وبشكل مباشر على اقتصادات الدول النامية التي تعتمد بشدة على القروض الخارجية لتمويل مشاريعها التنموية. بالإضافة إلى ذلك، يخشى المستثمرون الدوليون من أن يؤدي تفاقم أزمة الدين إلى تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي الأمريكي، ما قد يشعل موجة ركود اقتصادي عالمي واسعة النطاق.

مسارات مقترحة لخفض الدين العام الأمريكي

تُطرح عدة حلول لمواجهة أزمة الدين العام الأمريكي، بهدف تحقيق استقرار مالي طويل الأمد. تشمل هذه الحلول المقترحة ما يلي:

  • خفض الإنفاق الحكومي: يتمثل ذلك في تقليص الدعم الموجه لبعض القطاعات والنفقات غير الضرورية، لضبط الميزانية.
  • زيادة الإيرادات الحكومية: يمكن تحقيق ذلك من خلال فرض ضرائب جديدة أو إعادة هيكلة شاملة للنظام الضريبي لزيادة الحصيلة.
  • حلول مبتكرة لتمويل مستدام: يقترح بعض الخبراء فرض ضرائب على الثروات الكبرى، أو تطوير أدوات مالية جديدة تضمن تمويلاً أكثر استدامة للدولة.

ومع ذلك، يظل تنفيذ هذه الحلول مرهوناً بالإرادة السياسية القوية والتوافق الضروري بين مختلف أطراف صنع القرار داخل الولايات المتحدة.

مستقبل الدين الأمريكي: تحديات جسيمة وآفاق حذرة

على الرغم من ضخامة التحديات الراهنة، يؤكد محللون اقتصاديون أن الاقتصاد الأمريكي يمتلك القدرة على الصمود بفضل قوته الإنتاجية الهائلة ومرونته المالية الكبيرة. إلا أن استمرار تجاهل ملف الدين الأمريكي وتفاقمه دون حلول جذرية، قد يدفع بواشنطن نحو أزمة مالية غير مسبوقة قد تظهر ملامحها خلال العقد المقبل. يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات جادة وفورية لضبط الإنفاق الحكومي وتحقيق توازن مالي حقيقي لتجنب هذا المصير.