المتحف المصري الكبير: الكشف عن كواليس الشراكة الدولية التي حولت الحلم إلى واقع
بالقرب من أهرامات الجيزة الخالدة، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا كشاهد على تلاقي الحضارة المصرية العريقة مع أحدث التقنيات العالمية. هذا الصرح الثقافي الذي طال انتظاره تحول إلى حقيقة بفضل شراكة دولية استراتيجية، ليجسد بذلك رمزًا حيًا للتراث الإنساني والتعاون العالمي الفعال في صون كنوز التاريخ للأجيال القادمة.
التعاون الدولي: ركيزة أساسية لإنشاء المتحف المصري الكبير
لم يكن المتحف المصري الكبير ليرى النور بهذه الصورة المبهرة لولا الدعم الدولي الواسع الذي حظي به المشروع منذ انطلاقته. لقد شكل التعاون بين مصر ومجموعة من الحكومات والمؤسسات الدولية ركيزة أساسية في تحويل الفكرة إلى واقع ملموس. فمن وكالة “جايكا” اليابانية التي قدمت خبرات تقنية وتمويلًا ميسرًا، إلى دعم البنك الدولي لمعايير الاستدامة البيئية، وصولًا إلى إشراف منظمة اليونسكو على جوانب صون التراث الثقافي، ساهمت كل جهة بعنصر حيوي في منظومة متكاملة. هذا التعاون لم يقتصر على التمويل أو الجوانب التقنية فحسب، بل شمل أيضًا برامج التدريب المتخصصة، وتبادل المعرفة، والتخطيط الاستراتيجي طويل المدى، ما جعل المتحف مشروعًا عالميًا بامتياز يعكس قدرة التكامل الدولي على تحقيق إنجاز حضاري يخدم الإنسانية جمعاء.
الدعم الياباني: خبرة متطورة في ترميم الآثار المصرية
تعد اليابان شريكًا استراتيجيًا ومهمًا في نجاح مشروع المتحف المصري الكبير، حيث قدمت مساهمات نوعية عبر وكالة اليابان للتعاون الدولي (JICA). وفرت الوكالة أحدث المعدات والمعامل المتخصصة في ترميم الآثار القديمة. وبحسب تقارير وكالة “كيودو” اليابانية في عام 2024، فإن المتحف يمثل نموذجًا متقدمًا لدمج التكنولوجيا اليابانية الحديثة مع الإرث المصري العريق، حيث أسهمت هذه المعدات في حماية آلاف القطع الأثرية من عوامل الزمن والبيئة، مؤكدة على أهمية هذه التقنيات المبتكرة في الحفاظ على كنوز مصر التاريخية.
مشروع ترميم قارب خوفو الثاني: أيقونة التعاون المصري الياباني
بدأ التعاون المصري الياباني منذ عام 2006، عبر وكالة جايكا، في مشروع حيوي لترميم واستخراج وتوثيق الأجزاء الخشبية لقارب خوفو الشمسي الثاني الذي اكتُشف في هضبة الجيزة. وقد تضمن هذا العمل الدقيق استخراج حوالي 1700 جزء خشبي من 13 طبقة داخل الحفرة المخصصة له، مما يبرز حجم الجهد المشترك للحفاظ على هذا الأثر الفريد.
نقل القطع الأثرية الثمينة بأمان: دور التكنولوجيا اليابانية
تم نقل حوالي 72 قطعة أثرية بالغة الأهمية، من بينها بعض مقتنيات الملك الذهبي توت عنخ آمون، من المتحف المصري بالتحرير إلى مركز ترميم المتحف المصري الكبير. تم هذا النقل بدعم تقني ياباني متقدم، شمل استخدام أجهزة حديثة مثل المجهر الرقمي، وآلة إشعاعية محمولة، ورافعة كهربائية مصممة لرفع القطع الثقيلة بأمان تام، مما يضمن سلامة هذه الكنوز أثناء عملية الانتقال.
التمويل الياباني: دعم شامل لبناء المتحف المصري الكبير
قدمت اليابان قرضًا ميسرًا حاسمًا لتمويل بناء المتحف المصري الكبير وتجهيز معارضه الداخلية. شمل هذا التمويل أيضًا تطوير البنية التحتية لتقنية المعلومات، وتصميم الديكورات الداخلية، وإنشاء الحدائق المحيطة، بالإضافة إلى مكونات أساسية أخرى ضمن المشروع الضخم، مما وفر الدعم المالي اللازم لتحقيق هذا الصرح الثقافي العالمي.
التدريب وبناء القدرات: استثمار في الكوادر المصرية
لم يقتصر الدعم الياباني على الجوانب المادية، بل امتد ليشمل توفير برامج تدريب متقدمة لموظفي المتحف والتقنيين المصريين في مجالات الترميم والإدارة المتحفية. وبالإضافة إلى ذلك، جرى تنفيذ مشروع مشترك مع الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا (E-JUST) لتبادل الخبرات العلمية في علم ترميم التراث، مما يعزز من القدرات الوطنية في هذا المجال الحيوي.
اليونسكو: حماية التراث العالمي ودعم التعليم المتحفي
أشادت منظمة اليونسكو بالمتحف المصري الكبير بوصفه مشروعًا عالميًا رائدًا في الحفاظ على التراث الثقافي وتوفير منصة تعليمية للباحثين والمهتمين. وقد أكدت المنظمة في بيان رسمي عام 2024، أن المتحف يعكس أفضل الممارسات الدولية في صون التراث الثقافي، ويعتبر مركزًا عالميًا للتدريب والبحث في فنون الترميم. كما شاركت اليونسكو بفاعلية مع فريق عمل المتحف في الاجتماعات المتعلقة بحماية موقع أهرامات الجيزة والمناظر الطبيعية المحيطة، لضمان ألا تؤثر المشروعات الجديدة، مثل الممشى السياحي بين المتحف والأهرامات، سلبًا على القيمة العالمية للموقع ضمن قائمة التراث العالمي. وقد تم الاتفاق أيضًا على عقد مؤتمرات دولية تحت رعاية اليونسكو لتعزيز الوعي بأهمية المتاحف والتراث وتبادل الخبرات بين المتاحف الإقليمية والعالمية.
البنك الدولي: شراكة لتعزيز الاستدامة والابتكار في المتحف
قدم البنك الدولي دعمًا ماليًا وتقنيًا قيمًا لمشروع المتحف المصري الكبير، مما أسهم في حصول المتحف على شهادة “EDGE Advanced” للمباني الخضراء، ليكون بذلك أول متحف في إفريقيا والشرق الأوسط يحصل على هذه الشهادة المرموقة. وصرحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في عام 2024، بأن المتحف المصري الكبير يعكس شراكة قوية ومثمرة بين مصر والمجتمع الدولي لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار في مجال الحفاظ على التراث الثقافي.
خبرات دولية: تقنيات عالمية من أوروبا وأمريكا في تصميم المتحف
سلطت وكالات الأنباء العالمية الضوء على التعاون التقني المكثف مع خبراء ومهندسين من أوروبا وأمريكا، الذين شاركوا بفاعلية في تصميم وبناء المتحف المصري الكبير. وقد أكد هؤلاء الخبراء على الدمج المتقن بين الأصالة المصرية العريقة والتكنولوجيا المتقدمة لضمان سلامة المعروضات وتوفير تجربة زائر استثنائية ومتميزة، مما يعكس البعد العالمي للمشروع.
منظمة السياحة العالمية: المتحف المصري الكبير محرك للسياحة الثقافية
أعلنت منظمة السياحة العالمية (UNWTO) في عام 2025، أن المتحف المصري الكبير سيشكل ركيزة أساسية لتعزيز السياحة الثقافية في مصر، وهو ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني وجذب ملايين الزوار سنويًا. هذا التوقع يؤكد الدور المحوري للمتحف كوجهة عالمية جديدة للسياحة الثقافية التي تجمع بين التاريخ العريق والجاذبية الحديثة.
ونتاجًا لكل هذه الجهود المشتركة والتعاون المثمر، بات المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد صرح أثري، فهو قصة نجاح عالمية تجسد التزامًا مشتركًا بحماية تراث البشرية. بتضافر جهود مصر واليابان، ومنظمة اليونسكو، والبنك الدولي، وخبراء من مختلف أنحاء العالم، يتحقق اليوم حلم حضاري يفتح آفاقًا جديدة أمام التاريخ والثقافة والسياحة في مصر والعالم أجمع. إن هذا المشروع العملاق يعد اعترافًا عالميًا بأن التراث الإنساني مسؤولية مشتركة تتجاوز الحدود، وأن التعاون الدولي يمكن أن ينتج إنجازات تضع مصر في موقع ريادي عالمي في مجالات الثقافة والحضارة والتنمية المستدامة.