إذا كنت تخطط لزيارة أوروبا للمرة الأولى، أو حتى لو زرتها من قبل، فمن المؤكد أنك لاحظت هذا الاختلاف الصادم في الحمامات! سواء كنت في باريس الساحرة، أو لندن العريقة، أو روما التاريخية، ستجد نفسك أمام حمام يفتقر إلى الشطاف، معتمدًا بشكل كامل على ورق التواليت فقط. هذا الأمر يثير تساؤلاً جوهريًا لدى الكثيرين: لماذا هذا الغياب الملحوظ لوسيلة النظافة المائية الأساسية؟
سر غياب الشطاف في أوروبا: أسباب ثقافية وتاريخية عميقة
غياب الشطافات في الحمامات الأوروبية ليس مؤشرًا على نقص في الإمكانيات التكنولوجية أو حتى الإهمال، بل هو نابع من خلفيات ثقافية وتاريخية معقدة. فكثير من الأوروبيين يرون أن استخدام ورق التواليت كافٍ تمامًا لمتطلبات النظافة الشخصية. هذا التصور يعود إلى تقاليد قديمة تتعلق بنظرتهم للجسم ومفهوم الخصوصية. ففي مجتمعاتهم، قد يرتبط استخدام المياه بشكل مباشر في هذه العملية بأفكار معينة تعتبر غير مقبولة، أو قد تُصنف ضمن “الخصوصية المبالغ فيها”.
البيديه: الحل الأوروبي البديل للشطاف
بالرغم من عدم شيوع الشطاف التقليدي، إلا أن بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا، تستخدم بديلاً آخر يُعرف بـ “البيديه“. هذا الحوض المنخفض يُخصص لـ النظافة الشخصية بعد استخدام المرحاض. ظهر البيديه وانتشر في القرن الثامن عشر، وكان في بداياته رمزًا للترف والرقي، ثم أصبح جزءًا لا يتجزأ من تصميم الحمامات الكلاسيكية. ومع ذلك، لم ينتشر البيديه بنفس القدر في جميع البلدان الأوروبية، ويعود ذلك إلى اختلاف العادات وأولويات التصميم في كل منطقة.
ثقافة النظافة المائية: هل يتغير المشهد في أوروبا؟
المثير للاهتمام هو أن المشهد بدأ يتغير تدريجيًا. فمع تزايد أعداد المهاجرين والسياح من الدول العربية والآسيوية، بدأت بعض الفنادق والمنازل الأوروبية تستجيب لهذه الحاجة. أصبحنا نرى مبادرات لإضافة الشطافات الثابتة، أو حتى بيع الشطافات المحمولة كحلول عملية. بالإضافة إلى ذلك، تشهد ثقافة النظافة المائية انتشارًا أوسع، مدفوعة بزيادة الوعي الصحي والبيئي. فاستخدام المياه قد يكون أكثر نظافة وصداقة للبيئة من الاعتماد الكلي على ورق التواليت، خصوصًا عند تطبيقه بوعي واهتمام.
خلاصة القصة: اختلاف الثقافات في مفهوم النظافة
في النهاية، ما نعتبره أساسيًا وضروريًا في حياتنا قد يبدو غريبًا وغير مألوف للآخرين. إن غياب الشطاف في أوروبا ليس مجرد صدفة، بل هو حصيلة تراكم سنوات من ثقافات مختلفة ومفاهيم متنوعة عن النظافة الشخصية. هذا يؤكد أن كل عادة مجتمعية تحمل وراءها قصة، وقصص العادات والتقاليد أحيانًا تكون أغرب من الخيال.