تطور جديد.. الصين تسهّل استيراد الذهب في ظل صعود الأسعار وقوة اليوان

يستعد البنك المركزي الصيني لتخفيف القيود المفروضة على استيراد الذهب، في خطوة هامة نحو تحرير أكبر سوق للمعدن الثمين على مستوى العالم. تهدف هذه الإجراءات إلى تبسيط عملية استيراد الذهب، مما يتيح مرونة أكبر للمستوردين ويعكس سعي بكين لتعزيز دورها في تسعير السلع الأساسية عالميًا، خاصة مع ارتفاع قيمة اليوان أمام الدولار.

تفاصيل تسهيلات استيراد الذهب الجديدة

أصدر بنك الشعب الصيني مسودة قواعد جديدة لتسريع عملية استيراد الذهب، تركز على تيسير الإجراءات وتبسيطها. تتضمن هذه التسهيلات عدة بنود رئيسية تهدف إلى زيادة المرونة للمستوردين:

• توسيع نطاق استخدام “تصاريح الاستخدام المتعددة” للمستوردين.
• زيادة صلاحية هذه التصاريح من ستة أشهر إلى تسعة أشهر.
• إلغاء القيود على عدد المرات التي يمكن استخدام التصريح فيها خلال فترة صلاحيته.
• منح صلاحية تخليص شحنات الذهب لعدد أكبر من الموانئ الصينية، مما يقلل من زمن الانتظار.

مكاسب مباشرة للمستهلكين الصينيين

يأتي تسهيل التبادلات التجارية المتعلقة بالذهب في وقت يشهد فيه الطلب العالمي على المعدن الثمين مستويات غير مسبوقة، مما يدفع الأسعار إلى أرقام قياسية. سيُعد هذا التطور مرحبًا به بشدة لدى المستهلكين المحليين في الصين، الذين يُعد طلبهم محركًا مهمًا لارتفاع سعر الذهب عالميًا. غالبًا ما يُضطر المشترون الصينيون لدفع علاوة إضافية على الأسعار الدولية بسبب القيود الحكومية الصارمة على الواردات، ومن المتوقع أن تخفف هذه الإجراءات من حدة هذه العلاوة. وفي هذا السياق، علق سامسون لي، المحلل لدى “كوموديتي ديسكفري فند” في هونغ كونغ، قائلًا: “إنها خطوة صغيرة لكنها ذات مغزى تتخذها الصين لتتماشى مع الممارسات الدولية في أسواق الذهب.”

الرقابة الصينية على سوق الذهب: مرونة ضمن حدود

يستخدم البنك المركزي الصيني نظام الحصص لفرض رقابة مشددة على واردات الذهب، وهو أمر ضروري في إدارته لعملته الوطنية. لذلك، فإن اللوائح الجديدة تهدف بالأساس إلى تعزيز المرونة في السوق بدلاً من فتح الأبواب على مصراعيها بشكل كامل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المقترحات تنطبق أيضًا على الصادرات، ولكن الموافقات في الواقع تظل أكثر تقييدًا بسبب القيود الأوسع على رأس المال ورغبة بنك الشعب الصيني في تعزيز احتياطياته من الذهب والعملات الأجنبية.

شركات الذهب وتجار المجوهرات يستفيدون من تيسير القواعد

أشارت دوريس باو، مؤسسة شركة “غولد هارفست كونسلتينغ”، إلى أن مكرري الذهب المعتمدين لدى رابطة سوق لندن للسبائك (التي تُعد أكبر سوق لتداول الذهب في العالم) سيجنون فوائد كبيرة من القواعد المخففة. فهؤلاء المستوردون يقومون بشراء الذهب الخام وتكريره ثم إعادة تصديره، مما يجعل التيسيرات الجديدة داعمة لأنشطتهم. وأضافت باو أن هذه الخطوات ستسهم أيضًا في مساعدة قطاع المجوهرات المحلي، الذي يواجه صعوبات، على تلبية المزيد من الطلبيات الخارجية وزيادة قدرته التنافسية في السوق العالمية.

تأثير قوة اليوان على أسعار الذهب والاستيراد

ارتبط توقيت هذا التحرك من قبل البنك المركزي الصيني بسوق العملات، حسب ما أوضح فيليب كلابويك، المدير التنفيذي لشركة “بريشَس ميتالز إنسايتس” الاستشارية. شهد اليوان ارتفاعًا ملحوظًا مقابل الدولار منذ شهر أبريل الماضي، مع توقعات بتحقيق المزيد من المكاسب. وعلى الرغم من أن هذا يشكل تحديًا للحكومة في جهودها لتعزيز الصادرات ومواجهة الضغوط الانكماشية على الاقتصاد، إلا أن العملة المحلية الأقوى تجعل الذهب المقوم بالدولار أرخص بالنسبة للمستهلكين الصينيين. وأشار كلابويك إلى أن تخفيف قواعد استيراد الذهب قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي، مما يساعد بدوره في كبح صعود اليوان ويحقق نوعًا من التوازن في سوق العملات.

سعي الصين لتعزيز نفوذها على تسعير الذهب عالميًا

تُشكل هذه التيسيرات جزءًا من سياق أوسع تسعى فيه بكين إلى تعزيز نفوذها وتأثيرها على تسعير السلع الأساسية التي تستوردها بكميات كبيرة، وعلى رأسها الذهب. وفي هذا الصدد، قال جان نيوينهويج، المحلل لدى “ماني ميتالز إكستشينج”: “يجب النظر إلى كل خطوة باتجاه مزيد من تحرير سوق الذهب الصيني في هذا السياق الأوسع.” ومع ذلك، يرى نيوينهويج أنه “بما أن حساب رأس المال في الصين لا يزال مغلقًا، فلا أعتقد أن سوق الذهب المحلية ستُفتح بالكامل في المستقبل القريب.”

جهود الصين لتوسيع حضورها العالمي في سوق الذهب

ضمن جهودها لتطوير سوق الذهب وتعزيز مكانتها عالميًا، شهد هذا العام تحركات إضافية، منها السماح لشركات التأمين الصينية بالدخول في عمليات شراء الذهب، مما قد يضيف مصدرًا كبيرًا للطلب على المعدن الثمين. علاوة على ذلك، وسّعت بورصة شنغهاي للذهب، التي تخضع لإشراف بنك الشعب الصيني، نشاطها للمرة الأولى خارج البر الرئيسي الصيني، من خلال إنشاء منشأة لتخزين الذهب وإطلاق عقود جديدة للتداول في هونغ كونغ. تتخذ الحكومة الصينية خطوات متسارعة لتعزيز الحضور العالمي للصين في سوق الذهب. وعلى الرغم من ذلك، يرى نيوينهويج أن “القيود المفروضة على التصاريح لا تزال تشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون أن تصبح الصين مركزًا دوليًا حقيقيًا لتداول الذهب بسيولة تضاهي سوق لندن.”