مستقبل الخطاب.. مؤسسة طابة تكشف كيف يتفاعل الذكاء الاصطناعي مع الخطاب الديني لتأصيل واعٍ لبنيته

نظمت مبادرة سند، إحدى مبادرات مؤسسة طابة للأبحاث والاستشارات، أمسية فكرية هامة لمناقشة التفاعل بين الخطاب الديني والذكاء الاصطناعي، مستعرضة الفرص والتحديات المرتبطة بهذا التطور التقني. قدم خلالها الشيخ أحمد حسين الأزهري، الباحث الزائر بالمؤسسة، إطارًا منهجيًا شاملًا لفهم الخطاب الديني وكيفية تأثره بالتحولات التكنولوجية الحديثة.

الذكاء الاصطناعي: ميتافيزيقا متجسدة وتساؤلات جوهرية

استعرض الشيخ أحمد الأزهري في الأمسية فكرة أن كل تقنية حديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، تمثل “ميتافيزيقا متجسدة”؛ فهي لا تنشأ من فراغ بل تتجذر في رؤى فلسفية عميقة تحدد تصوراتنا عن الإنسان والمعرفة والهدف، قبل أن تتحول إلى أكواد ومنصات رقمية. وميز الأزهري بين نوعين من التقنيات: التقنيات العامة الشاملة كالهواتف والإنترنت والذكاء الاصطناعي التي تعيد تشكيل عاداتنا وعلاقاتنا وطرق عملنا، والتقنيات المتخصصة كالتصوير بالرنين المغناطيسي التي يبدو تأثيرها قطاعيًا في البداية لكنها تحول لاحقًا ممارسات ومؤسسات بأكملها.

اقرأ أيضًا: بشرى للمستفيدين.. برنامج تكافل وكرامة 2025 | إليك تفاصيل التقديم والشروط الجديدة

ولفهم أعمق لتأثير هذه الأدوات الرقمية على مجتمعاتنا والخطاب الديني، اقترح الشيخ الأزهري مجموعة من “أسئلة الاختبار” لكل أداة رقمية:

  • ما الصورة الضمنية للإنسان التي تفترضها هذه الأداة؟
  • ما الذي تسهله وما الذي تصعبه في حياة المستخدمين؟
  • لمن تزيد المنفعة، ومن يتحمل تكلفة الأخطاء المحتملة؟
  • أين تذهب البيانات التي تجمعها الأداة، ومن يستطيع استغلالها مستقبلاً؟

تأصيل الخطاب الديني في عصر التقنيات الرقمية

قدم الشيخ الأزهري خلال الأمسية تعريفًا دقيقًا للخطاب الديني، واصفًا إياه بأنه فعل تواصلي مقصود يهدف إلى الإفهام وتوجيه المكلفين نحو علم أو عمل يستند إلى الشريعة الإسلامية. ويجب أن يصدر هذا الخطاب عن ذي أهلية معتبرة، ويكون صحيح النسبة إلى الكتاب والسنة، مع مراعاة دقيقة لحال المخاطب، ووسيلة البلاغ المستخدمة، والسياق المحيط.

اقرأ أيضًا: دعوة جريئة.. نجيب ساويرس يحث البنك المركزي على خفض الفائدة | ويصرح: لن تهرب الأموال الساخنة

وأوضح أن الخطاب الديني يتكون من ستة عناصر أساسية:

  • المتحدث: الشخص الذي يقدم الخطاب.
  • المقصد: الهدف أو الغاية من هذا الخطاب.
  • المضمون: المحتوى الديني الذي يتم تقديمه.
  • المتلقي: الجمهور أو الفرد الموجه إليه الخطاب.
  • الوسيلة: القناة أو الطريقة التي يتم بها إيصال الخطاب.
  • السياق: الظروف والبيئة المحيطة التي تؤثر في فهم الخطاب.

وربط الأزهري هذه العناصر بدراسات البنية التحتية لعالمة الاجتماع الأمريكية سوزان لي ستار، مستعرضًا الخصائص التسع للبنية التحتية، التي اعتبرها عدسة مفيدة لفهم “البنية التحتية” للخطاب الديني في عصر المنصات الرقمية والخوارزميات المعقدة.

اقرأ أيضًا: الآن وبشكل رسمي.. نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية في القليوبية.. اكتشفها برقم جلوسك فورًا

الفرص والتحديات: حماية الخطاب الديني من أتمتة الذكاء الاصطناعي

اختتمت الأمسية بفقرة أسئلة وأجوبة تفاعلية، حيث تلقى الشيخ أحمد الأزهري استفسارات متنوعة من الحضور. تركزت الأسئلة حول السبل المثلى لتسخير الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم الديني وتأصيل المعرفة الشرعية، بالإضافة إلى كيفية حماية الخطاب الديني من “أتمتة” قد تضعف الملكات الفكرية وربما تربك المعايير الشرعية. أكدت الأمسية في ختامها أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الخطاب الديني ليس تقنيًا بحتًا، بل هو تحدٍ بنيوي ومعنوي. السؤال الجوهري يكمن في كيفية بناء خطاب ديني رصين ومحكم يستطيع استيعاب الأدوات الذكية والتعامل معها بفعالية دون أن يقع أسيرًا لها أو يفقد جوهره.

اقرأ أيضًا: تمديد رسمي.. فترة قبول أوراق طلاب الشهادات المعادلة العربية والأجنبية