بدء خطة شاملة في عنابة.. الكشف عن استعدادات نفسية وتربوية لدعم الطلاب والأسر
تستعد ولاية عنابة لاستقبال الدخول المدرسي المرتقب يوم الأحد 21 سبتمبر بحركة دؤوبة ومشاعر متضاربة بين الفرح والترقب، والقلق والتحدي. يتجه آلاف التلاميذ وأولياء أمورهم نحو عام دراسي جديد يحمل معه آمالاً وتحديات، مدعوماً بقرارات تربوية مهمة لتخفيف البرامج الدراسية، مما يبعث على التفاؤل بين الأسر والمؤسسات التعليمية بالولاية.
حراك تجاري واستعدادات نفسية تسبق الدخول المدرسي في عنابة
تشهد شوارع ولاية عنابة، وخاصة شارع قمبيطا ورحبة الزرع، حراكاً تجارياً نشطاً لا يهدأ، حيث يتسابق التلاميذ وأولياؤهم لشراء المستلزمات المدرسية من مآزر جديدة ومحافظ وكراريس. خلف هذه الحركة الظاهرة، تختبئ استعدادات نفسية عميقة، لاسيما لدى الأطفال الذين سيلتحقون بالمدرسة لأول مرة، أو أولئك الذين لم يحالفهم الحظ في امتحانات نهاية العام الماضي. هذه الفترة تُمثل خليطاً من الترقب والقلق والفرح الذي يغمر المنازل قبل انطلاق العام الدراسي الجديد.
حماس الأطفال وارتياح الأولياء يلونان أجواء العودة للمدرسة
عبر العديد من الأطفال في عنابة عن فرحتهم الكبيرة وشوقهم للعودة إلى مقاعد الدراسة ولقاء أصدقائهم ومعلميهم. سامي، تلميذ في السنة الرابعة ابتدائي، شارك حماسه قائلاً: “اشتريت مئزراً أزرق جديداً ودفاتر ملونة. أنا متحمس جداً للعودة إلى المدرسة، فقد اشتقت لأستاذي وأصدقائي كثيراً.” هذا الشعور لم يقتصر على الأطفال فحسب، بل امتد ليشمل الكثير من أولياء الأمور الذين عبروا عن ارتياحهم لعودة النظام والانضباط إلى حياتهم بعد أشهر من العطلة الصيفية. كما يرون في المدرسة فضاءً حيوياً لتكوين شخصية أبنائهم وغرس القيم الاجتماعية والانضباط إلى جانب التحصيل الأكاديمي.
عائلات عنابية تحتفي بالدخول المدرسي كفرحة خاصة
من المظاهر اللافتة في ولاية عنابة، اختيار بعض العائلات تحويل مناسبة الدخول المدرسي إلى احتفال خاص. ففي حي “جوانو” على سبيل المثال، لوحظ توزيع الحلوى على الأطفال وتزيين مداخل بعض البنايات، في أجواء بهيجة. السيدة فتيحة، أم لثلاثة أطفال، أوضحت هذه المبادرة بقولها: “أحب أن أجعل من أول يوم دراسي مناسبة خاصة لأبنائي. أشتري لهم الحلويات، وأساعدهم في ترتيب حقائبهم، وألتقط لهم صوراً للذكرى. هذه اللحظات والذكريات الجميلة تبقى محفورة في أذهانهم لسنوات طويلة.”
التلاميذ الجدد يخطون خطواتهم الأولى بحذر وأمل
يمثل هذا العام الدخول المدرسي الأول لعدد كبير من الأطفال، خاصة في السنة الأولى ابتدائي أو القسم التحضيري. تتجلى في هذه الفئة مشاعر مختلطة من الحماس المصحوب ببعض الخوف، سواء من جانب التلاميذ أو أولياء أمورهم. العديد من الأمهات عبرن عن قلقهن بشأن قدرة أبنائهن على الاندماج والتأقلم بسرعة مع المحيط الجديد والمختلف عن بيئة المنزل. هنا، يبرز الدور الحاسم للمعلمين في توفير بيئة صفية مشجعة وآمنة نفسياً، لضمان شعور الطفل بالراحة وحبه للمدرسة منذ يومه الأول، مما يعزز تجربته التعليمية الأولية.
عزيمة متجددة للطلاب الراسبين في البيام والباكالوريا
لا يمكن الحديث عن الدخول المدرسي دون الإشارة إلى شريحة مهمة من الطلاب، وهم الذين لم يوفقوا في امتحانات نهاية السنة، سواء في شهادة التعليم المتوسط (البيام) أو البكالوريا. يعود هؤلاء الطلاب إلى المؤسسات التربوية بمشاعر معقدة تتراوح بين التردد والخوف من تكرار الفشل. ومع ذلك، هناك من يعبر عن عزيمة قوية على تجاوز الإخفاقات الماضية، واستغلال فرصة الإعادة بشكل إيجابي. أحد الطلاب الراسبين في البكالوريا بثانوية “القديس أغسطين” صرح قائلاً: “نعم، شعرت بخيبة أمل كبيرة الصيف الماضي، لكنني الآن استعدت توازني. أنا مصرّ على النجاح هذه السنة وسأغير طريقة مذاكرتي وسأستفيد من أخطائي الماضية.” وهو ذات الموقف الذي تبناه العديد من طلاب البيام، مؤكدين أنهم يرون الرسوب بمثابة “جرس إنذار” وفرصة ثانية يجب استغلالها بكل جدية لتحقيق النجاح المنشود.
الدعم النفسي والتربوي: حاجة أساسية في المسار الدراسي
في ظل هذه المعطيات المتنوعة، تبرز الحاجة الماسة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي داخل المدارس، خاصة للتلاميذ الذين يعانون من آثار الفشل، أو القلق، أو صعوبة التكيف. إن وجود مستشارين نفسيين وتربويين مؤهلين يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في حياة الطلاب، ويساعدهم على بناء ثقتهم بأنفسهم من جديد واستعادة حماسهم للتعلم. كما أن الأسرة تلعب دوراً محورياً في هذه المرحلة، من خلال تشجيع الأبناء وعدم الضغط عليهم، وتجنب المقارنات مع الآخرين، والتركيز بدلاً من ذلك على التحسين التدريجي وبناء مهارات جديدة.
وزارة التربية تخفف البرامج الدراسية: خطوة نحو استيعاب أفضل
لقد شكّل إعلان وزارة التربية الوطنية عن تخفيف البرنامج السنوي للدروس هذا العام، نوعاً من الارتياح العام بين التلاميذ والأساتذة على حد سواء. هذه الخطوة، بحسب بعض مديري المؤسسات التربوية في عنابة، قد تساهم في تحسين مستوى الاستيعاب لدى الطلاب وتخفيف الضغط النفسي عنهم، خاصة في المستويات الانتقالية والامتحانية. أستاذة تعليم متوسط من متوسطة حسيبة بن بوعلي أكدت قائلة: “التلميذ بحاجة إلى وقت كافٍ لفهم الدروس بعمق، وليس فقط لحفظها. التخفيف في المحتوى يعني التركيز على الكيفية بدلاً من الكمية، وهذا يعود بالنفع على الجميع ويحسن جودة التعليم.”
يبدو أن ولاية عنابة تستعد لاستقبال عام دراسي جديد بروح يغلب عليها التفاؤل والعزيمة. الأطفال يعودون بقلوب خفيفة وأحلام كبيرة، والطلاب الراسبون يعودون بعقول أكثر نضجاً وإصراراً على النجاح. بين هذا وذاك، تلعب الأسرة والمدرسة والمجتمع أدواراً تكاملية في توفير الظروف النفسية والاجتماعية الملائمة لكل تلميذ، كي يبدأ سنة جديدة بثقة ويواصل مسيرته في طريق العلم والمعرفة، مؤكدين أن المدرسة ليست مجرد جدران وأقسام، بل هي فضاء شامل لبناء الإنسان.