رسميًا اليوم.. مصر تتوج بجائزة الآغا خان العالمية للعمارة عن مشروع إحياء إسنا التاريخية
تتسلم الدولة المصرية اليوم الإثنين الخامس عشر من سبتمبر، جائزة الآغا خان للعمارة في دورتها السادسة عشرة لعام 2025 عن مشروع “إعادة إحياء إسنا التاريخية” بمحافظة الأقصر. يأتي هذا الفوز المرموق ليعيد مصر إلى الواجهة العالمية في مجال العمارة المستدامة والحفاظ على التراث، بعد غياب دام أكثر من عشرين عامًا منذ فوز مكتبة الإسكندرية بالجائزة عام 2004.
مشروع إحياء إسنا التاريخية: نموذج متكامل للتنمية المستدامة
نجح مشروع إعادة إحياء إسنا التاريخية في تقديم نموذج رائد لتحويل التراث إلى محرك فعال للتنمية المستدامة. يجمع المشروع بين الترميم المعماري الدقيق والحفاظ العمراني الشامل، مع التركيز على تعزيز الهوية الثقافية وتمكين المجتمع المحلي ودعم الاقتصاد القائم على السياحة. لقد مثلت هذه المبادرة تجربة فريدة للشراكة على مدار أكثر من عقد ونصف، من خلال التعاون المثمر بين مؤسسة “تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة” ووزارة السياحة والآثار ومحافظة الأقصر، بدعم من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ومملكة هولندا والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية. وقد أثبت المشروع أن التراث الثقافي يمكن أن يكون قاطرة حقيقية للتنمية الشاملة التي تنعكس إيجابًا على حياة الأفراد.
تفاصيل حفل تسليم جائزة الآغا خان للعمارة
يقام حفل توزيع جوائز الآغا خان للعمارة في قاعة الفيلهارمونية الوطنية القرغيزية “توكوتغول ساتيلغانوف” بالعاصمة بشكيك في جمهورية قيرغيزستان. يحضر الحفل عدد من كبار الشخصيات المحلية والدولية، بالإضافة إلى ممثلي الدول الفائزة وكبار المعماريين والخبراء الثقافيين من مختلف أنحاء العالم. يمثل الوفد المصري الذي سيتسلم الجائزة الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، والمهندس عبد المطلب عمارة محافظ الأقصر، والدكتورة سها بهجت مستشارة وزير السياحة والآثار نيابة عن الوزير. كما يضم الوفد الشركاء المؤسسين لمؤسسة “تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة”، وهم المهندس كريم إبراهيم مدير المشروع، والمهندسة نيفين عقل مدير وحدة التصميم بالمشروع، وخبيرة التنمية شيرين زغو مسؤولة المكون السياحي والاقتصادي بالمشروع.
تحويل التراث إلى فرص اقتصادية: إنجازات مشروع إسنا
أكد المهندس كريم إبراهيم أن المشروع سعى على مدار سنوات عمله إلى إعادة مدينة إسنا إلى الخريطة السياحية العالمية، بعد أن كانت زيارتها مقتصرة لسنوات طويلة على معبد خنوم فقط. وقد أدت هذه الجهود إلى نتائج ملموسة، حيث ساهمت في مضاعفة عدد زوار المدينة أكثر من ثلاث مرات بفضل تدخلات متعددة شملت:
* ترميم وكالة الجداوي وفتحها للجمهور لأول مرة منذ عقود طويلة.
* تطوير سوق القيسارية التقليدي الذي يعتبر معلمًا تجاريًا مهمًا.
* تحسين موقع زيارة معبد خنوم لتعزيز تجربة الزوار.
* تجديد واجهات خمسة عشر مبنى وموقعًا تراثيًا آخر داخل المدينة.
* تطوير البازارات التاريخية مما أعاد لها حيويتها.
* توفير مئات فرص العمل لأبناء المدينة ودعم الاقتصاد المحلي.
* تدريب أكثر من أربعمائة شاب وفتاة من أبناء إسنا في مجالات الحرف التقليدية والترميم والإرشاد السياحي لتعزيز قدراتهم.
إشادة لجنة التحكيم الدولية برؤية مشروع إسنا الشاملة
أشادت لجنة التحكيم العليا لجائزة الآغا خان، التي تضم نخبة من المعماريين والمفكرين والفنانين من مختلف أنحاء العالم، بمشروع إسنا ووصفته بأنه يتجاوز الحدود التقليدية للحفاظ العمراني. أكدت اللجنة أن المشروع عمل على تطوير البيئة التراثية للمدينة من خلال رؤية شاملة لم تقتصر على الجوانب المعمارية فقط، بل شملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأبرزت اللجنة الدور الحيوي للمجتمع المحلي الذي كان لاعبًا رئيسيًا في إنجاح المشروع، وهو ما أطلق عملية تجديدية مستدامة في نسيج عمراني كان مهددًا بالاندثار.
كما أبرزت اللجنة أن القيمة الحقيقية للمشروع تكمن في شمولية تدخلاته التي لم تقتصر على المعالم الأثرية الشهيرة، بل امتدت إلى النسيج العمراني للمدينة والأسواق الشعبية والمباني السكنية والتجارية والدينية. هذا النهج المتكامل أعاد الحياة إلى منظومة حضرية متكاملة، وأسهم بشكل مباشر في تحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص اقتصادية جديدة لأهالي إسنا. وأكدت اللجنة أن ما تحقق في إسنا يعكس احترامًا عميقًا للتقنيات والمعارف المحلية، ويُبرز دور التراث غير المادي مثل الحرف اليدوية والممارسات الثقافية والمطبخ التقليدي، باعتبارها عناصر جوهرية في عملية الإحياء العمراني والثقافي. وقد تم توثيق أكثر من عشرين مبنى تراثيًا، وخمسة وعشرين وصفة طعام محلية، إضافة إلى إطلاق مبادرات اقتصادية صغيرة تقودها سيدات إسنا مثل “مطبخ أوكرا” و”ورشة الأعمال الخشبية” لتمكينهن اقتصاديًا.