السبب الخفي.. دراسة حديثة تكشف كيف تؤثر بكتيريا الأمعاء في زيادة حالات سرطان الكبد
توصل باحثون كنديون إلى اكتشاف علمي بارز يكشف عن علاقة وثيقة بين بكتيريا الأمعاء وتفاقم أمراض الكبد، بما في ذلك سرطان الكبد والكبد الدهني. تشير دراسة حديثة إلى أن ميكروبات معوية معينة تنتج جزيئًا ضارًا يُسمى “D-لاكتات” يسهم في زيادة الدهون والسكر بالكبد، ممهدة بذلك الطريق أمام استراتيجيات علاجية مبتكرة، أبرزها تطوير “مصيدة معوية” واعدة لتحسين صحة الكبد.
بكتيريا الأمعاء ومخاطرها على صحة الكبد
كشف البحث الجديد أن جزيئًا معينًا تفرزه البكتيريا الضارة في الأمعاء يلعب دورًا رئيسيًا في زيادة إفراز الكبد للدهون والسكر. هذا الجزيء يتسبب في تدهور ملحوظ بصحة الكبد، ما يؤدي إلى التهابات خطيرة قد تتطور إلى تليف الكبد، وفي أسوأ الحالات، قد يصل الأمر إلى الإصابة بسرطان الكبد. يركز هذا الاكتشاف على جزيء يُعرف باسم “D-لاكتات”، وهو مركب ينتج عن النشاط الميكروبي داخل الأمعاء. لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة غالبًا ما تكون لديهم مستويات مرتفعة من هذا الجزيء، مما يساهم في رفع مستويات السكر والدهون في الكبد ويسرع من تلف أنسجته ويزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض الكبدية المزمنة.
جزيء “D-لاكتات”: المحرك الخفي لتلف الكبد
يُصنف جزيء “D-لاكتات” كأحد المركبات السامة التي تنتجها أنواع معينة من بكتيريا الأمعاء الضارة. ويعتبر هذا الجزيء أكثر خطورة من نظيره “L-لاكتات”، الذي ينتج طبيعيًا في الجسم. على الرغم من أن كلا الجزيئين قد يسهمان في رفع مستويات السكر والدهون، إلا أن “D-لاكتات” يعد العامل الأهم في تسريع تطور أمراض الكبد، حيث يعزز تراكم الدهون في الكبد ويحفز الالتهابات. تشير الأبحاث إلى أن تراكم هذا الجزيء في الأمعاء يجعله يمتص إلى مجرى الدم، مما يحفز الكبد على إنتاج كميات كبيرة من الدهون والسكر، وهو ما يؤدي إلى تدهور سريع في وظائف الكبد وحالته الصحية العامة.
“المصيدة المعوية”: تقنية واعدة لعلاج أمراض الكبد
ابتكر الباحثون تقنية ثورية أطلقوا عليها اسم “المصيدة المعوية”، وهي مصممة لامتصاص جزيئات “D-لاكتات” داخل الأمعاء قبل أن تتمكن من الوصول إلى مجرى الدم وإلحاق الضرر بالكبد. عند تطبيق هذه التقنية على الفئران، أظهرت النتائج تحسنًا ملحوظًا في صحة الكبد، فقد انخفضت مستويات السكر في الدم وتحسنت مقاومة الإنسولين بشكل كبير. لم تقتصر الفوائد على تحسين المؤشرات الصحية العامة فقط، بل تضمنت أيضًا تراجعًا ملحوظًا في التهابات الكبد وتليفه. الأهم من ذلك، أن هذه التحسينات حدثت دون الحاجة إلى تغيير النظام الغذائي أو خفض الوزن، مما يفتح آمالًا كبيرة في إيجاد طرق علاجية جديدة لأمراض الكبد دون الحاجة لتدخل جراحي أو أدوية ذات آثار جانبية محتملة.
انتشار مرض الكبد الدهني وآفاق العلاج الجديدة
يُعد مرض الكبد الدهني أحد أكثر الأمراض انتشارًا في العالم اليوم، وتشير الإحصائيات إلى أن شخصًا واحدًا من كل خمسة أشخاص في المملكة المتحدة يعاني من هذا المرض. يبدأ المرض بتراكم الدهون داخل الكبد، وقد يؤدي ذلك إلى التهابات تتطور فيما بعد إلى تليف أو حتى فشل كبدي. في الحالات المتقدمة والخطيرة، قد يتحول المرض إلى سرطان الكبد. تعتبر هذه النتائج الجديدة نقطة تحول حاسمة في استراتيجيات معالجة مرض الكبد الدهني، حيث توفر “المصيدة المعوية” بديلاً محتملاً للعلاجات التقليدية التي تعتمد على فقدان الوزن أو تعديل النظام الغذائي، مما يجعل العلاج أكثر استهدافًا ودقة في التعامل مع أسباب أمراض الكبد.
تحديات أمراض الكبد في العالم اليوم
تضاعفت معدلات الوفيات المرتبطة بأمراض الكبد بشكل مقلق خلال العقود الأخيرة، ففي المملكة المتحدة وحدها، يتم تسجيل أكثر من 11 ألف حالة وفاة سنويًا بسبب أمراض الكبد. هذا العدد الكبير من الوفيات يشير إلى الحاجة الملحة لابتكار حلول وعلاجات جديدة، خاصة وأن العديد من هذه الحالات كان يمكن تجنبها من خلال التدخل المبكر أو تغيير نمط الحياة. الاكتشافات مثل “المصيدة المعوية” تقدم بصيص أمل كبير في مواجهة هذه التحديات الصحية العالمية.